responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 99
وُضِعَتْ مُفْضِيَةً إلَيْهِ وَبَيْنَ إعَانَتِهِ عَلَى ذَلِكَ بِالطَّرِيقِ الَّتِي وُضِعَتْ مُفْضِيَةً إلَى غَيْرِهِ؛ فَالْمَقْصُودُ إذَا كَانَ وَاحِدًا لَمْ يَكُنْ اخْتِلَافُ الطُّرُقِ الْمُوَصِّلَةِ إلَيْهِ بِمُوجِبٍ لِاخْتِلَافِ حُكْمِهِ فَيَحْرُمُ مِنْ طَرِيقٍ وَيَحِلُّ بِعَيْنِهِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، وَالطُّرُقُ وَسَائِلُ وَهِيَ مَقْصُودَةٌ لِغَيْرِهَا، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ التَّوَسُّلِ إلَى الْحَرَامِ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَالِ وَالْمَكْرِ وَالْخِدَاعِ وَالتَّوَسُّلِ إلَيْهِ بِطَرِيقِ الْمُجَاهَرَةِ الَّتِي يُوَافِقُ فِيهَا السِّرُّ الْإِعْلَانَ وَالظَّاهِرُ الْبَاطِنَ وَالْقَصْدُ اللَّفْظَ، بَلْ سَالِكُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ قَدْ تَكُونُ عَاقِبَتُهُ أَسْلَمَ وَخَطَرُهُ أَقَلَّ مِنْ سَالِكِ تِلْكَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا أَنَّ سَالِكَ طَرِيقِ الْخِدَاعِ وَالْمَكْرِ عِنْدَ النَّاسِ أَمْقَتُ وَفِي قُلُوبِهِمْ أَوْضَعُ وَهُمْ عَنْهُ أَشَدُّ نَفْرَةً مِمَّنْ أَتَى الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ وَدَخَلَهُ مِنْ بَابِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ - وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وِسَادَاتِهِمْ وَأَئِمَّتِهِمْ - فِي هَؤُلَاءِ: يُخَادِعُونَ اللَّهَ كَمَا يُخَادِعُونَ الصِّبْيَانَ، لَوْ أَتَوْا الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ كَانَ أَسْهَلَ عَلَيْهِمْ.

[فَصْلٌ الْكَلَامُ عَلَى الْمُكْرَهِ]
فَصْلٌ
[الْكَلَامُ عَلَى الْمُكْرَهِ]
إذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ: الْمُكْرَهُ قَدْ أَتَى بِاللَّفْظِ الْمُقْتَضِي لِلْحُكْمِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ حُكْمُهُ؛ لِكَوْنِهِ غَيْرَ قَاصِدٍ لَهُ، وَإِنَّمَا قَصَدَ دَفْعَ الْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ، فَانْتَفَى الْحُكْمُ لِانْتِفَاءِ قَصْدِهِ وَإِرَادَتِهِ لِمُوجِبِ اللَّفْظِ؛ فَعُلِمَ أَنَّ نَفْسَ اللَّفْظِ لَيْسَ مُقْتَضِيًا لِلْحُكْمِ اقْتِضَاءَ الْفِعْلِ لِأَثَرِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَتَلَ أَوْ غَصَبَ أَوْ أَتْلَفَ أَوْ نَجَّسَ الْمَائِعَ مُكْرَهًا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَلِكَ الْقَتْلَ أَوْ الْإِتْلَافَ أَوْ التَّنْجِيسَ فَاسِدٌ وَبَاطِلٌ، كَمَا لَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ سَكِرَ لَمْ يُقَلْ: إنَّ ذَلِكَ فَاسِدٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ أَوْ نَذَرَ أَوْ طَلَّقَ أَوْ عَقَدَ عَقْدًا حُكْمِيًّا، وَهَكَذَا الْمُحْتَالُ الْمَاكِرُ الْمُخَادِعُ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْحُكْمَ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ اللَّفْظِ الَّذِي احْتَالَ بِهِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ مَعْنًى آخَرَ فَقَصَدَ الرِّبَا بِالْبَيْعِ وَالتَّحْلِيلَ بِالنِّكَاحِ وَالْحِنْثَ بِالْخُلْعِ، بَلْ الْمُكْرَهُ قَدْ قَصَدَ دَفْعَ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا قَصْدُهُ التَّوَسُّلُ إلَى غَرَضٍ رَدِيءٍ؛ فَالْمُحْتَالُ وَالْمُكْرَهُ يَشْتَرِكَانِ فِي أَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا بِالسَّبَبِ حُكْمَهُ وَلَا بِاللَّفْظِ مَعْنَاهُ، وَإِنَّمَا قَصَدَا التَّوَسُّلَ بِذَلِكَ اللَّفْظِ وَبِظَاهِرِ ذَلِكَ السَّبَبِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ غَيْرِ حُكْمِ السَّبَبِ، لَكِنَّ أَحَدَهُمَا رَاهِبٌ قَصْدُهُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلِهَذَا يُحْمَدُ أَوْ يُعْذَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَالْآخَرُ رَاغِبٌ قَصْدُهُ إبْطَالُ حَقٍّ وَإِيثَارُ بَاطِلٍ، وَلِهَذَا يُذَمُّ عَلَى ذَلِكَ؛ فَالْمُكْرَهُ يُبْطِلُ حُكْمَ السَّبَبِ فِيمَا عَلَيْهِ وَفِيمَا لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَالْمُحْتَالُ يُبْطِلُ حُكْمَ السَّبَبِ فِيمَا احْتَالَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِيمَا سِوَاهُ فَيَجِبُ فِيهِ التَّفْصِيلُ.
وَهَهُنَا أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ ظَهَرَ لَنَا أَنَّهُ مُحْتَالٌ فَكَمَنْ ظَهَرَ لَنَا أَنَّهُ مُكْرَهٌ، وَمَنْ ادَّعَى

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 99
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست