responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 83
غَيْرَهُ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا بِخِلَافِ مَا أَظْهَرُوا؛ فَقَالَ لِنَبِيِّهِ: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] يَعْنِي أَسْلَمْنَا بِالْقَوْلِ مَخَافَةَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يَجْزِيهِمْ إنْ أَطَاعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، يَعْنِي إنْ أَحْدَثُوا طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَقَالَ فِي الْمُنَافِقِينَ وَهُمْ صِنْفٌ ثَانٍ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1] إلَى قَوْلِهِ: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: 2] يَعْنِي جُنَّةً مِنْ الْقَتْلِ، وَقَالَ: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ} [التوبة: 95] فَأَمَرَ بِقَبُولِ مَا أَظْهَرُوا، وَلَمْ يَجْعَلْ لِنَبِيِّهِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ حُكْمِ الْإِيمَانِ، وَقَدْ أَعْلَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنَّهُمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ؛ فَجَعَلَ حُكْمَهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ عَلَى سَرَائِرِهِمْ، وَحُكْمَ نَبِيِّهِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا عَلَى عَلَانِيَتِهِمْ بِإِظْهَارِ التَّوْبَةِ وَمَا قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَبِمَا أَقَرُّوا بِقَوْلِهِ وَمَا جَحَدُوا مِنْ قَوْلِ الْكُفْرِ مَا لَمْ يُقِرُّوا بِهِ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ كَذَّبَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ: أَنَّ «رَجُلًا سَارَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمْ يَدْرِ مَا سَارَّهُ حَتَّى جَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِذَا هُوَ يُشَاوِرُهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَا شَهَادَةَ لَهُ، فَقَالَ: أَلَيْسَ يُصَلِّي؟ قَالَ: بَلَى، وَلَا صَلَاةَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِمْ» ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ» ثُمَّ قَالَ: فَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ بِصِدْقِهِمْ وَكَذِبِهِمْ، وَسَرَائِرُهُمْ إلَى اللَّهِ الْعَالِمِ بِسَرَائِرِهِمْ الْمُتَوَلِّي الْحُكْمَ عَلَيْهِمْ دُونَ أَنْبِيَائِهِ وَحُكَّامِ خَلْقِهِ.
وَبِذَلِكَ مَضَتْ أَحْكَامُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ مِنْ الْحُدُودِ وَجَمِيعِ الْحُقُوقِ، أَعْلَمَهُمْ أَنَّ جَمِيعَ أَحْكَامِهِ عَلَى مَا يُظْهِرُونَ، وَاَللَّهُ يُدِينُ بِالسَّرَائِرِ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ «عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيُّ فِي لِعَانِهِ امْرَأَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا بَلَغَنَا: لَوْلَا مَا قَضَى اللَّهُ لَكَانَ لِي فِيهَا قَضَاءٌ غَيْرُهُ» يَعْنِي لَوْلَا مَا قَضَى اللَّهُ مِنْ أَلَّا يَحْكُمَ عَلَى أَحَدٍ إلَّا بِاعْتِرَافٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ، وَلَمْ يَعْرِضْ لِشَرِيكٍ وَلَا لِلْمَرْأَةِ، وَأَنْفَذَ الْحُكْمَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ، ثُمَّ عَلِمَ بَعْدُ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الصَّادِقُ.
ثُمَّ ذَكَرَ «حَدِيثَ رُكَانَةَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَحْلَفَهُ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً، فَحَلَفَ لَهُ فَرَدَّهَا إلَيْهِ» ، قَالَ: وَفِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حَرَامًا عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَقْضِيَ أَبَدًا عَلَى أَحَدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ إلَّا بِأَحْسَنِ مَا يُظْهِرُ، وَإِنْ احْتَمَلَ مَا يُظْهِرُ غَيْرَ أَحْسَنِهِ وَكَانَتْ عَلَيْهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا يُخَالِفُ أَحْسَنَهُ. وَمِنْ قَوْلِهِ: بَلَى لَمَّا حَكَمَ اللَّهُ فِي الْأَعْرَابِ الَّذِينَ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 83
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست