responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 46
نَفْسُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُ مُبَاشَرَةَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ كَآحَادِ النَّاسِ فَإِنْ قَصَدَ مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ لَمْ يَحْنَثْ بِالتَّوْكِيلِ، وَإِنْ قَصَدَ عَدَمَ الْفِعْلِ وَالْمَنْعَ مِنْهُ جُمْلَةً حَنِثَ بِالتَّوْكِيلِ، وَإِنْ أَطْلَقَ اعْتَبَرَ سَبَبَ الْيَمِينِ وَبِسَاطَهَا وَمَا هَيَّجَهَا، وَعَلَى هَذَا إذَا أَقَرَّ الْمَلِكُ أَوْ أَغْنَى أَهْلُ الْبَلَدِ لِرَجُلٍ بِمَالٍ كَثِيرٍ لَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ بِالدِّرْهَمِ وَالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُتَمَوَّلُ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ فَقِيرٌ يُعَدُّ عِنْدَهُ الدِّرْهَمُ وَالرَّغِيفُ كَثِيرًا قُبِلَ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا إذَا قِيلَ لَهُ: جَارِيَتُك أَوْ عَبْدُك يَرْتَكِبَانِ الْفَاحِشَةَ، فَقَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُمَا حُرَّانِ لَا أَعْلَمُ عَلَيْهِمَا فَاحِشَةً؛ فَالْحَقُّ الْمَقْطُوعُ بِهِ أَنَّهُمَا لَا يُعْتَقَانِ بِذَلِكَ، لَا فِي الْحُكْمِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ قَطْعًا.
وَاللَّفْظُ مَعَ الْقَرَائِنِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْعِتْقِ وَلَا ظَاهِرًا فِيهِ، بَلْ وَلَا مُحْتَمِلًا لَهُ، فَإِخْرَاجُ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْبَرَنِي بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ أَذِنْت لَك فِي الْخُرُوجِ إلَى الْحَمَّامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَتَهَيَّأَتْ لِلْخُرُوجِ إلَى الْحَمَّامِ، فَقَالَ لَهَا: اُخْرُجِي وَابْصُرِي، فَاسْتَفْتَى بَعْضَ النَّاسِ، فَأَفْتَوْهُ بِأَنَّهَا قَدْ طَلُقَتْ مِنْهُ، فَقَالَ لِلْمُفْتِي: بِأَيِّ شَيْءٍ أَوْقَعْت عَلَيَّ الطَّلَاقَ؟ قَالَ: بِقَوْلِك لَهَا اُخْرُجِي، فَقَالَ: إنِّي لَمْ أَقُلْ لَهَا ذَلِكَ إذْنًا، وَإِنَّمَا قُلْته تَهْدِيدًا، أَيْ: إنَّك لَا يُمْكِنُك الْخُرُوجُ.
وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت: 40] فَهَلْ هَذَا إذْنٌ لَهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا مَا شَاءُوا؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، أَنْتَ لَفَظْت بِالْإِذْنِ، فَقَالَ لَهُ: مَا أَرَدْت الْإِذْنَ، فَلَمْ يَفْقَهْ الْمُفْتِي هَذَا، وَغَلُظَ حِجَابُهُ عَنْ إدْرَاكِهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ.
وَلَيْتَ شِعْرِي هَلْ يَقُولُ هَذَا الْمُفْتِي: إنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] إذْنٌ لَهُ فِي الْكُفْرِ؟ وَهَؤُلَاءِ أَبْعَدُ النَّاسِ عَنْ الْفَهْمِ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَعَنْ الْمُطْلِقِينَ مَقَاصِدَهُمْ.
وَمِنْ هَذَا إذَا قَالَ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ فِي عَمَلٍ يَشُقُّ عَلَيْهِ: أَعْتِقْنِي مِنْ هَذَا الْعَمَلِ، فَقَالَ: أَعْتَقْتُك، وَلَمْ يَنْوِ إزَالَةَ مِلْكِهِ عَنْهُ، لَمْ يُعْتَقْ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ عَنْ امْرَأَتِهِ: هَذِهِ أُخْتِي، وَنَوَى أُخْتِي فِي الدِّينِ، لَمْ تُحَرَّمْ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا. وَالصَّرِيحُ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِحُكْمِهِ لِذَاتِهِ.
وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ لِأَنَّا نَسْتَدِلُّ عَلَى قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ لِمَعْنَاهُ؛ لِجَرَيَانِ اللَّفْظِ عَلَى لِسَانِهِ اخْتِيَارًا؛ فَإِذَا ظَهَرَ قَصْدُهُ بِخِلَافِ مَعْنَاهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُلْزَمَ بِمَا لَمْ يُرِدْهُ، وَلَا الْتَزَمَهُ، وَلَا خَطَرَ بِبَالِهِ، بَلْ إلْزَامُهُ بِذَلِكَ جِنَايَةٌ عَلَى الشَّرْعِ وَعَلَى الْمُكَلَّفِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَفَعَ الْمُؤَاخَذَةَ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مُكْرَهًا لِمَا لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَاهَا وَلَا نَوَاهَا، فَكَذَلِكَ الْمُتَكَلِّمُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْوَقْفِ وَالْيَمِينِ وَالنَّذْرِ مُكْرَهًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِعَدَمِ نِيَّتِهِ وَقَصْدِهِ؛ وَقَدْ أَتَى بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ؛ فَعُلِمَ أَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يُوجِبُ مَعْنَاهُ لِقَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى رَفَعَ الْمُؤَاخَذَةَ عَمَّنْ حَدَّثَ نَفْسَهُ بِأَمْرٍ بِغَيْرِ تَلَفُّظٍ أَوْ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 46
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست