responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 38
سُنَنُهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلَ عَنْ الْحَوْضِ يَلَغُ فِيهِ الْكَلْبُ وَيَشْرَبُ مِنْهُ الْحِمَارُ، فَقَالَ: لَا يُحَرِّمُ الْمَاءَ شَيْءٌ، وَأَخَذَتْ الْحَنَفِيَّةُ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ «لَا زَكَاةَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا» مَعَ ضَعْفِ الْحَدِيثِ بِالْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ بِحِسَابِهِ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْهُ.
وَهَذَا بَابٌ يَطُولُ تَتَبُّعُهُ، وَتَرَى كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ إذَا جَاءَ الْحَدِيثُ يُوَافِقُ قَوْلَ مَنْ قَلَّدَهُ وَقَدْ خَالَفَهُ رِوَايَةً يَقُولُ: الْحُجَّةُ فِيمَا رَوَى، لَا فِي قَوْلِهِ، فَإِذَا جَاءَ قَوْلُ الرَّاوِي مُوَافِقًا لِقَوْلِ مَنْ قَلَّدَهُ وَالْحَدِيثُ بِخِلَافِهِ قَالَ: لَمْ يَكُنْ الرَّاوِي يُخَالِفُ مَا رَوَاهُ إلَّا وَقَدْ صَحَّ عِنْدَهُ نَسْخُهُ، وَإِلَّا كَانَ قَدْحًا فِي عَدَالَتِهِ، فَيَجْمَعُونَ فِي كَلَامِهِمْ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، بَلْ قَدْ رَأَيْنَا فِي الْبَابِ الْوَاحِدِ، وَهَذَا مِنْ أَقْبَحِ التَّنَاقُضِ، وَاَلَّذِي نَدِينُ لِلَّهِ بِهِ وَلَا يَسَعُنَا غَيْرُهُ وَهُوَ الْقَصْدُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ حَدِيثٌ آخَرَ يَنْسَخُهُ أَنَّ الْفَرْضَ عَلَيْنَا وَعَلَى الْأُمَّةِ الْأَخْذُ بِحَدِيثِهِ وَتَرْكُ كُلِّ مَا خَالَفَهُ، وَلَا نَتْرُكُهُ لِخِلَافِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ كَائِنًا مَنْ كَانَ لَا رِوَايَةً وَلَا غَيْرَهُ؛ إذْ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يَنْسَى الرَّاوِي الْحَدِيثَ، أَوْ لَا يَحْضُرُهُ وَقْتَ الْفُتْيَا، أَوْ لَا يَتَفَطَّنُ لِدَلَالَتِهِ عَلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، أَوْ يَتَأَوَّلُ فِيهِ تَأْوِيلًا مَرْجُوحًا، أَوْ يَقُومُ فِي ظَنِّهِ مَا يُعَارِضُهُ وَلَا يَكُونُ مُعَارِضًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، أَوْ يُقَلِّدُ غَيْرَهُ فِي فَتْوَاهُ بِخِلَافِهِ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْهُ وَأَنَّهُ إنَّمَا خَالَفَهُ لِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَلَوْ قُدِّرَ انْتِفَاءُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْعِلْمِ بِانْتِفَائِهِ وَلَا ظَنِّهِ، لَمْ يَكُنْ الرَّاوِي مَعْصُومًا، وَلَمْ تُوجَبْ مُخَالَفَتُهُ لِمَا رَوَاهُ سُقُوطَ عَدَالَتِهِ حَتَّى تَغْلِبَ سَيِّئَاتُهُ حَسَنَاتِهِ، وَبِخِلَافِ هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ لَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ.

فَصْلٌ [وَجْهُ تَغَيُّرِ الْفَتْوَى بِتَغَيُّرِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَحْوَالِ]
إذَا عُرِفَ هَذَا فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا تَغَيَّرَتْ الْفَتْوَى بِهَا بِحَسَبِ الْأَزْمِنَةِ كَمَا عَرَفْتَ؛ لِمَا رَأَتْهُ الصَّحَابَةُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا مَفْسَدَةَ تَتَابُعِ النَّاسِ فِي إيقَاعِ الثَّلَاثِ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِإِمْضَائِهَا عَلَيْهِمْ، فَرَأَوْا مَصْلَحَةَ الْإِمْضَاءِ أَقْوَى مِنْ مَفْسَدَةِ الْوُقُوعِ، وَلَمْ يَكُنْ بَابُ التَّحْلِيلِ الَّذِي لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعِلَهُ مَفْتُوحًا بِوَجْهٍ مَا، بَلْ كَانُوا أَشَدَّ خَلْقِ اللَّهِ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ، وَتَوَعَّدَ عُمَرُ فَاعِلَهُ بِالرَّجْمِ، وَكَانُوا عَالِمِينَ بِالطَّلَاقِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ الَّتِي قَدْ شَكَتْ الْفُرُوجُ فِيهَا إلَى رَبِّهَا مِنْ مَفْسَدَةِ التَّحْلِيلِ، وَقُبْحِ مَا يَرْتَكِبُهُ الْمُحَلِّلُونَ مِمَّا هُوَ رَمَدٌ بَلْ عَمًى فِي عَيْنِ الدِّينِ وَشَجًى فِي حُلُوقِ الْمُؤْمِنِينَ: مِنْ قَبَائِحَ تُشْمِتُ أَعْدَاءَ الدِّينِ بِهِ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 38
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست