responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 36
فَلْيَتَدَبَّرْ الْعَالِمُ الَّذِي قَصْدُهُ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ مِنْ الشَّرْعِ وَالْقَدَرِ فِي قَبُولِ الصَّحَابَةِ هَذِهِ الرُّخْصَةَ وَالتَّيْسِيرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقْوَاهُمْ رَبَّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي التَّطْلِيقِ، فَجَرَتْ عَلَيْهِمْ رُخْصَةُ اللَّهِ وَتَيْسِيرُهُ شَرْعًا وَقَدَرًا، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الْأُحْمُوقَةَ، وَتَرَكُوا تَقْوَى اللَّهَ، وَلَبَسُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَطَلَّقُوا عَلَى غَيْرِ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ لَهُمْ، أَجْرَى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ الْخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ وَالصَّحَابَةِ مَعَهُ شَرْعًا وَقَدَرَ إلْزَامَهُمْ بِذَلِكَ، وَإِنْفَاذَهُ عَلَيْهِمْ، وَإِبْقَاءَ الْإِصْرِ الَّذِي جَعَلُوهُ هُمْ فِي أَعْنَاقِهِمْ كَمَا جَعَلُوهُ، وَهَذِهِ أَسْرَارٌ مِنْ أَسْرَارِ الشَّرْعِ وَالْقَدَرِ لَا تُنَاسِبُ عُقُولَ أَبْنَاءِ الزَّمَنِ، فَجَاءَ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ، فَمَضَوْا عَلَى آثَارِ الصَّحَابَةِ سَالِكِينَ مَسْلَكَهُمْ، قَاصِدِينَ رِضَاءَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْفَاذَ دِينِهِ.
فَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ الْقَوْلَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِظَنِّهِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الشَّافِعِيِّ.
قَالَ: فَإِنْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّ الثَّلَاثَ كَانَتْ تُحْسَبُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحِدَةً بِمَعْنَى أَنَّهُ أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاَلَّذِي يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ عَلِمَ شَيْئًا فَنُسِخَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت؟ قِيلَ: لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ يَرْوِي عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا ثُمَّ يُخَالِفُهُ بِشَيْءٍ وَلَمْ يَعْلَمْهُ كَانَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ خِلَافٌ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلَعَلَّ هَذَا شَيْءٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فَقَالَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ بِقَوْلِ عُمَرَ. قِيلَ: قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يُخَالِفُ عُمَرَ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَبَيْعِ الدِّينَارِ بِالدِّينَارَيْنِ، وَبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، فَكَيْفَ يُوَافِقُهُ فِي شَيْءٍ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافُهُ؟
فَصْلٌ [فَتْوَى الصَّحَابِيِّ عَلَى خِلَافِ مَا رَوَاهُ]
قَالَ الْمَانِعُونَ مِنْ لُزُومِ الثَّلَاثِ: النَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، وَلَا تَرْكُ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَعْصُومِ لِمُخَالَفَةِ رَاوِيهِ لَهُ؛ فَإِنَّ مُخَالَفَتَهُ لَيْسَتْ مَعْصُومَةً، وَقَدْ قَدَّمَ الشَّافِعِيُّ رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي شَأْنِ بَرِيرَةَ عَلَى فَتْوَاهُ الَّتِي تُخَالِفُهَا فِي كَوْنِ بَيْعِ الْأَمَةِ طَلَاقَهَا، وَأَخَذَ هُوَ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَنْ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ» وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَفْتَى بِأَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَأَخَذُوا بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ وَأَنْ يَمْشُوا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ» وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ الرَّمَلُ بِسُنَّةٍ، وَأَخَذُوا بِرِوَايَةِ عَائِشَةَ فِي مَنْعِ الْحَائِضِ مِنْ الطَّوَافِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهَا أَنَّ امْرَأَةً حَاضَتْ وَهِيَ تَطُوفُ مَعَهَا فَأَتَمَّتْ بِهَا عَائِشَةُ بَقِيَّةَ طَوَافِهَا، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ عَطَاءٍ، فَذَكَرَهُ، وَأَخَذُوا بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَقْدِيمِ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالنَّحْرِ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 36
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست