responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 310
وَحِفْظٌ لِلْحَقِّ، فَهِيَ جَارِيَةٌ مَجْرَى الرَّهْنِ، وَلَكِنَّ ذَاكَ رَهْنُ عَيْنٍ وَهِيَ رَهْنُ ذِمَّةٍ أَقَامَهَا الشَّارِعُ مَقَامَ رَهْنِ الْأَعْيَانِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا وَاسْتِدْعَاءِ الْمَصْلَحَةِ لَهَا، وَالرَّهْنُ لَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ إلَّا مَعَ تَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الرَّاهِنِ، فَكَذَا الضَّمِينُ. وَلِهَذَا كَثِيرًا مَا يَقْتَرِنُ الرَّهْنُ وَالضَّمِينُ لِتُوَاخِيهِمَا وَتَشَابُهِهِمَا وَحُصُولِ الِاسْتِيثَاقِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ الضَّامِنَ فِي الْأَصْلِ لَمْ يُوضَعْ لِتَعَدُّدِ مَحَلِّ الْحَقِّ كَمَا لَمْ يُوضَعْ لِنَقْلِهِ، وَإِنَّمَا وُضِعَ لِيَحْفَظَ صَاحِبُ الْحَقِّ حَقَّهُ مِنْ التَّوَى وَالْهَلَاكِ، وَيَكُونَ لَهُ مَحَلٌّ يَرْجِعُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ مَحَلِّهِ الْأَصْلِيِّ، وَلَمْ يُنَصِّبْ الضَّامِنُ نَفْسَهُ لَأَنْ يُطَالِبَهُ الْمَضْمُونُ لَهُ مَعَ وُجُودِ الْأَصِيلِ وَيَسْرَتِهِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ مُطَالَبَتِهِ.
وَالنَّاسُ يَسْتَقْبِحُونَ هَذَا، وَيُعِدُّونَ فَاعِلَهُ مُتَعَدِّيًا، وَلَا يَعْذُرُونَهُ بِالْمُطَالَبَةِ، حَتَّى إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ عَذَرُوهُ بِمُطَالَبَةِ الضَّامِنِ وَكَانُوا عَوْنًا لَهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُسْتَقِرٌّ فِي فِطَرِ النَّاسِ وَمُعَامَلَاتِهِمْ بِحَيْثُ لَوْ طَالَبَ الضَّامِنَ وَالْمَضْمُونُ عَنْهُ إلَى جَانِبِهِ وَالدَّرَاهِمُ فِي كُمِّهِ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مُطَالَبَتِهِ لَاسْتَقْبَحُوا ذَلِكَ غَايَةَ الِاسْتِقْبَاحِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْقُوَّةِ كَمَا تَرَى، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ عَنْ مَالِكٍ.
وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» فَإِنَّهُ لَا عُمُومَ لَهُ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَارِمٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَلِهَذَا لَوْ أَدَّى الْأَصِيلُ لَمْ يَكُنْ غَارِمًا، وَلِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فِي ضَمَانِ دَيْنِ الْمَيِّتِ لِتَعَذُّرِ مُطَالَبَةِ الْأَصِيلِ، وَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِأَنَّ الضَّمَانَ مُشْتَقٌّ مِنْ الضَّمِّ فَاقْتَضَى لَفْظُهُ ضَمَّ إحْدَى الذِّمَّتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى لِوَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الضَّمَّ مِنْ الْمُضَاعَفِ، وَالضَّمَانَ مِنْ الضَّمِينِ، فَمَادَّتُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ وَمَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ وَإِنْ تَشَابَهَا لَفْظًا وَمَعْنًى فِي بَعْضِ الْأُمُورِ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُشْتَقًّا مِنْ الضَّمِّ فَالضَّمُّ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ ضَمٍّ يُطَالِبُ مَعَهُ اسْتِقْلَالًا وَبَدَلًا، وَالْأَعَمُّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ.

[تَعْلِيقُ الضَّمَانِ بِالشَّرْطِ]
وَإِذَا عُرِفَ هَذَا وَأَرَادَ الضَّامِنُ الدُّخُولَ عَلَيْهِ فَالْحِيلَةُ أَنْ يُعَلِّقَ الضَّمَانَ بِالشَّرْطِ فَيَقُولَ: إنْ تُوِيَ الْمَالُ عَلَى الْأَصِيلِ فَأَنَا ضَامِن لَهُ، وَلَا يَمْنَعُ تَعْلِيقُ الضَّمَانِ بِالشَّرْطِ وَقَدْ صَرَّحَ الْقُرْآنُ بِتَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ، وَهُوَ مَحْضُ الْقِيَاسِ؛ فَإِنَّهُ الْتِزَامٌ، فَجَازَ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ كَالنُّذُورِ، وَالْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا وَهَذَا لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَمَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ، فَإِنْ خَافَ مِنْ قَاصِرٍ فِي الْفِقْهِ غَيْرِ رَاسِخٍ فِي حَقَائِقِهِ فَلْيَقُلْ: " ضَمِنْت لَك هَذَا الدَّيْنَ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ " فَهَذَا ضَمَانٌ مَخْصُوصٌ بِحَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَلَا يَجُوزُ إلْزَامُهُ بِهِ فِي غَيْرِهَا، كَمَا لَوْ ضَمِنَ الْحَالَّ مُؤَجَّلًا أَوْ ضَمِنَهُ فِي مَكَان دُونَ مَكَان، فَإِنْ خَافَ مِنْ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 310
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست