responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 300
التَّعْلِيقَ بِالشُّرُوطِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْعَبْدُ، حَتَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ كَمَا «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ وَقَدْ شَكَتْ إلَيْهِ وَقْتَ الْإِحْرَامِ، فَقَالَ: حُجِّي وَاشْتَرِطِي عَلَى رَبِّك فَقَوْلِي: إنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي، فَإِنَّ لَك مَا اشْتَرَطْت عَلَى رَبِّك» فَهَذَا شُرِعَ مَعَ اللَّهِ فِي الْعِبَادَةِ، وَقَدْ شَرَعَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ لِحَاجَةِ الْأُمَّةِ إلَيْهِ، وَيُفِيدُ شَيْئَيْنِ: جَوَازُ التَّحَلُّلِ، وَسُقُوطُ الْهَدْيِ، وَكَذَلِكَ الدَّاعِي بِالْخِيَرَةِ يَشْتَرِطُ عَلَى رَبِّهِ فِي دُعَائِهِ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ خَيْرًا لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي عَاجِلُهُ وَآجِلُهُ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، فَيُعَلِّقُ طَلَبَ الْإِجَابَةِ بِالشَّرْطِ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ لِخَفَاءِ الْمَصْلَحَةِ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَطَ عَلَى رَبِّهِ أَيُّمَا رَجُلٍ سَبَّهُ أَوْ لَعَنَهُ وَلَيْسَ لِذَلِكَ بِأَهْلٍ أَنْ يَجْعَلَهَا كَفَّارَةً لَهُ وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا إلَيْهِ، وَهَذَا تَعْلِيقٌ لَلْمُدَّعُو بِهِ بِشَرْطِ الِاسْتِحْقَاقِ. وَكَذَلِكَ الْمُصَلِّي عَلَى الْمَيِّتِ شُرِعَ لَهُ تَعْلِيقُ الدُّعَاءِ بِالشَّرْطِ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ أَعْلَمُ بِسِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ، إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَتَقَبَّلْ حَسَنَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ؛ فَهَذَا طَلَبٌ لِلتَّجَاوُزِ عَنْهُ بِشَرْطٍ، فَكَيْفَ يُمْنَعُ تَعْلِيقُ التَّوْبَةِ بِالشَّرْطِ؟
وَقَالَ شَيْخُنَا: كَانَ يُشْكِلُ عَلَيَّ أَحْيَانًا حَالُ مَنْ أُصَلِّي عَلَيْهِ الْجَنَائِزَ، هَلْ هُوَ مُؤْمِنٌ أَوْ مُنَافِقٌ؟ فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ فَسَأَلْته عَنْ مَسَائِلَ عَدِيدَةٍ مِنْهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ الشَّرْطَ الشَّرْطَ، أَوْ قَالَ: عَلِّقْ الدُّعَاءَ بِالشَّرْطِ، وَكَذَلِكَ أَرْشَدَ أُمَّتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى تَعْلِيقِ الدُّعَاءِ بِالْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ بِالشَّرْطِ فَقَالَ: «لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي إذَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «وَإِذَا أَرَدْت بِعِبَادِك فِتْنَةً فَتَوَفَّنِي إلَيْك غَيْرَ مَفْتُونٍ» وَقَالَ: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ، إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» .
وَتَعْلِيقُ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَالتَّبَرُّعَاتِ وَالِالْتِزَامَاتِ وَغَيْرِهَا بِالشُّرُوطِ أَمْرٌ قَدْ تَدْعُو إلَيْهِ الضَّرُورَةُ أَوْ الْحَاجَةُ أَوْ الْمَصْلَحَةُ؛ فَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الْمُكَلَّفُ، وَقَدْ صَحَّ تَعْلِيقُ النَّظَرِ بِالشَّرْطِ بِالْإِجْمَاعِ وَنَصِّ الْكِتَابِ، وَتَعْلِيقُ الضَّمَانِ بِالشَّرْطِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَتَعْلِيقُ النِّكَاحِ بِالشَّرْطِ فِي تَزْوِيجِ مُوسَى بِابْنَةِ صَاحِبِ مَدْيَنَ وَهُوَ [مِنْ] أَصَحِّ نِكَاحٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَلَمْ يَأْتِ فِي شَرِيعَتِنَا مَا يَنْسَخُهُ، بَلْ أَتَتْ مُقَرِّرَةً لَهُ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ " فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ حِلَّ الْفُرُوجِ بِالنِّكَاحِ قَدْ يُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ، وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيقِ النِّكَاحِ بِالشَّرْطِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، كَمَا يُعَلَّقُ الطَّلَاقُ وَالْجَعَالَةُ وَالنَّذْرُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْعُقُودِ، وَعَلَّقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ بِالشَّرْطِ، فَكَانَ يَدْفَعُ أَرْضَهُ إلَى مَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهَا عَلَى أَنَّهُ إنْ جَاءَ عُمَرُ بِالْبَذْرِ فَلَهُ كَذَا وَإِنْ جَاءَ الْعَامِلُ بِالْبَذْرِ فَلَهُ كَذَا، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ صَاحِبٌ، وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيقِ الْبَيْعِ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 300
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست