responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 270
قَالُوا: فَالْحِيلَةُ فِي شِرَائِهَا لِنَفْسِهِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِغَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ الَّذِي وُكِّلَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَمْلِكَهَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ غَيْرُ الَّذِي وُكِّلَ فِيهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ شَاةٍ فَاشْتَرَى فَرَسًا؛ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَكُونُ لِلْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ؛ فَإِنْ أَرَادَ الْمُوَكِّلُ الِاحْتِرَازَ مِنْ هَذِهِ الْحِيلَةِ وَأَنْ لَا يُمَكِّنَ الْوَكِيلَ مِنْ شِرَائِهَا لِنَفْسِهِ فَلْيُشْهِدْ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَتَى اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ فَهِيَ حُرَّةٌ؛ فَإِنْ وَكَّلَ الْوَكِيلُ مَنْ يَشْتَرِيهَا لَهُ انْبَنَى ذَلِكَ عَلَى أَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْوَكِيلَ هَلْ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ أَمْ لَا؟
وَالثَّانِي: أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا؛ فَوَكَّلَ فِي فِعْلِهِ هَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا؟
وَفِي الْأَصْلَيْنِ نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ، فَإِنْ وَكَّلَهُ رَجُلٌ فِي بَيْعِ جَارِيَةٍ وَوَكَّلَهُ آخَرُ فِي شِرَائِهَا، وَأَرَادَ هُوَ شِرَاءَهَا لِنَفْسِهِ فَالْحُكْمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، غَيْرَ أَنَّ هَاهُنَا أَصْلًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْوَكِيلَ فِي بَيْعِ الشَّيْءِ هَلْ يَمْلِكُ بَيْعَهُ لِنَفْسِهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ؛ إحْدَاهُمَا: لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقْصِي فِي الثَّمَنِ، وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ إذَا زَادَ عَلَى ثَمَنِهَا فِي النِّدَاءِ لِتَزُولَ التُّهْمَةُ؛ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى حِيلَةٍ، وَالثَّانِيَةُ لَا يَجُوزُ فِعْلُ هَذَا، وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ التَّحَيُّلُ عَلَى ذَلِكَ؟ فَقِيلَ: لَهُ أَنْ يَتَحَيَّلَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَى غَيْرِهِ دَرَاهِمَ وَيَقُولَ لَهُ: اشْتَرِهَا لِنَفْسِك، ثُمَّ يَتَمَلَّكَهَا مِنْهُ، وَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَحَيُّلٌ عَلَى التَّوَصُّلِ إلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إلَى عَدَمِ اسْتِقْصَائِهِ وَاحْتِيَاطِهِ فِي الْبَيْعِ، بَلْ يُسَامِحُ فِي ذَلِكَ لِعِلْمِهِ أَنَّهَا تَصِيرُ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَزِنُ الثَّمَنَ، وَلِأَنَّهُ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلتُّهْمَةِ، وَلِأَنَّ النَّاسَ يَرَوْنَ ذَلِكَ نَوْعَ غَدْرٍ وَمَكْرٍ؛ فَمَحَاسِنُ الشَّرِيعَةِ تَأْبَى الْجَوَازَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ وَكَّلَهُ أَحَدُهُمَا فِي بَيْعِهَا وَالْآخَرُ فِي شِرَائِهَا وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِنَفْسِهِ؛ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ .
قِيلَ: هَذَا يَنْبَنِي عَلَى شِرَاءِ الْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ لِنَفْسِهِ؛ فَإِنْ أَجَزْنَاهُ هُنَاكَ جَازَ هَاهُنَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَإِنْ مَنَعْنَاهُ هُنَاكَ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ أَيْضًا هَاهُنَا؛ لِتَضَادِّ الْغَرَضَيْنِ؛ لِأَنَّ وَكِيلَ الْبَيْعِ يَسْتَقْصِي فِي زِيَادَةِ الثَّمَنِ، وَوَكِيلَ الشِّرَاءِ يَسْتَقْصِي فِي نُقْصَانِهِ؛ فَيَتَضَادَّانِ، وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَيَتَخَرَّجُ الْجَوَازُ - وَإِنْ مَنَعْنَا الْوَكِيلَ مِنْ الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ مِنْ نَصِّ أَحْمَدَ - عَلَى جَوَازِ كَوْنِ الْوَكِيلِ فِي النِّكَاحِ وَكِيلًا مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَكَوْنِهِ أَيْضًا وَلِيًّا مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَأَنَّهُ يَلِي بِذَلِكَ عَلَى إيجَابِ الْعَقْدِ وَقَبُولِهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ التُّهْمَةَ الَّتِي تَلْحَقُهُ فِي الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ أَظْهَرُ مِنْ التُّهْمَةِ الَّتِي تَلْحَقُهُ فِي الشِّرَاءِ لِمُوَكِّلِهِ.
وَالْحِيلَةُ الصَّحِيحَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يَبِيعَهَا بَيْعًا بَتَاتًا ظَاهِرًا لِأَجْنَبِيٍّ يَثِقُ بِهِ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ شِرَاءً مُسْتَقِلًّا؛ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 270
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست