responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 207
فَصْلٌ
[جَوَابُ مَنْ قَالَ بِالْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ]
قَالَ السُّرَيْجِيُّونَ: لَقَدْ ارْتَقَيْتُمْ مُرْتَقًى صَعْبًا، وَأَسَأْتُمْ الظَّنَّ بِمَنْ قَالَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُمْ أَئِمَّةٌ عُلَمَاءُ لَا يُشَقُّ غُبَارُهُمْ، وَلَا تُغْمَزُ قَنَاتُهُمْ، كَيْفَ وَقَدْ أَخَذُوهَا مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَبَنَوْهَا عَلَى أُصُولِهِ، وَنَظَّرُوا لَهَا النَّظَائِرَ، وَأَتَوْا لَهَا بِالشَّوَاهِدِ؟ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ: " أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ " ثُمَّ مَاتَ لِأَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ بَعْدَ هَذَا التَّعْلِيقِ؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ وَهَذَا إيقَاعُ طَلَاقٍ فِي زَمَنٍ مَاضٍ سَابِقٍ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ مَوْتُهُ، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ قَبْلَهُ، وَإِيضَاحُ ذَلِكَ بِإِخْرَاجِ الْكَلَامِ مَخْرَجَ الشَّرْطِ، كَقَوْلِهِ: " إنْ مِتَّ - أَوْ إذَا مِتَّ - فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ " وَنَحْنُ نُلْزِمُكُمْ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، فَإِنَّكُمْ مُوَافِقُونَ عَلَيْهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ قَبْلَ دُخُولِهِ: " أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً قَبْلَهَا طَلْقَةً " فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهَا طَلْقَتَانِ، وَإِحْدَاهُمَا وَقَعَتْ فِي زَمَنٍ مَاضٍ سَابِقٍ عَلَى التَّطْلِيقِ، وَبِهَذَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: " إنَّ الْوُقُوعَ كَمَا لَمْ يَسْبِقْ الْإِيقَاعَ فَلَا يَسْبِقُ الطَّلَاقُ التَّطْلِيقَ فَكَذَا لَا يَسْبِقُ شَرْطَهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ تَقَدُّمُهُ عَلَى شَرْطِهِ وَأَحَدِ سَبَبَيْهِ أَوْ أَسْبَابِهِ " فَإِنَّ الشَّرْطَ مُعَرَّفٌ، مَحْضٌ وَلَا يَمْتَنِعُ تَقْدِيمُ الْمُعَرَّفِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا تَقْدِيمُهُ عَلَى أَحَدِ سَبَبَيْهِ فَكَتَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ بَعْدَ الْيَمِينِ، وَتَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى الْحَوْلِ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ، وَتَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْجُرْحِ قَبْلَ الزُّهُوقِ، وَنَظَائِرِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: " إنَّ الشَّرْطَ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمَشْرُوطِ " فَمَمْنُوعٌ بَلْ مُقْتَضَى الشَّرْعِ تَوَقُّفُ الْمَشْرُوطِ عَلَى وُجُودِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُوجَدُ بِدُونِهِ، وَلَيْسَ مُقْتَضَاهُ تَأَخُّرُ الْمَشْرُوطِ عَنْهُ، وَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِاللُّغَةِ وَالْعَقْلِ وَالشَّرْعِ، وَلَا سَبِيلَ لَكُمْ إلَى نَصٍّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي ذَلِكَ وَلَا إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَلَا عَقْلِيٍّ، فَدَعْوَاهُ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّ مِنْ الشُّرُوطِ مَا يَتَقَدَّمُ مَشْرُوطُهُ، وَلَكِنَّ دَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةُ الشَّرْطِ وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَحَتَّى لَوْ جَاءَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ مِثْلُهُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ فِي كَلَامِهِمْ تَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ كَقَوْلِهِ: " إنْ زُرْتَنِي أَكْرَمْتُكَ " " وَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ جِئْتُكَ " فَيَقْتَضِي الشَّرْطُ ارْتِبَاطًا بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي: فَلَا يَتَقَدَّمُ الْمُتَأَخِّرُ وَلَا يَتَأَخَّرُ الْمُتَقَدِّمُ، وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَتَقْبَلُ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ وَالِانْتِقَالَ، كَمَا لَوْ قَالَ: " إذَا مِتَّ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ " وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مِثْلَ هَذَا فِي الْحِسِّيَّاتِ كَانَ مُحَالًا، فَلَوْ قَالَ: " إذَا زُرْتنِي أَكْرَمْتُكَ قَبْلَ أَنَّ تَزُورَنِي بِشَهْرٍ " كَانَ مُحَالًا، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَعْنًى صَحِيحٍ، وَهُوَ إذَا أَرَدْتَ أَوْ عَزَمْتَ عَلَى زِيَارَتِي أَكْرَمْتُكَ قَبْلَهَا.

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 207
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست