responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 185
وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ زِيَادٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يُعَارِضُ فِي كَلَامِهِ يَسْأَلُنِي عَنْ الشَّيْءِ أَكْرَهُ أَنْ أُخْبِرَهُ بِهِ، قَالَ: إذَا لَمْ يَكُنْ يَمِينًا فَلَا بَأْسَ، فِي الْمَعَارِيضِ مَنْدُوحَةٌ عَنْ الْكَذِبِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْجَوَابِ، فَأَمَّا الِابْتِدَاءُ فَالْمَنْعُ فِيهِ ظَاهِرٌ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أُمِّ كُلْثُومٍ أَنَّهُ لَمْ يُرَخِّصْ فِيمَا يَقُولُ النَّاسُ إنَّهُ كَذِبٌ إلَّا فِي ثَلَاثٍ، وَكُلُّهَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُتَكَلِّمُ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَغَايَةُ هَذَا الْقِسْمِ تَجْهِيلُ السَّامِعِ بِأَنْ يُوقِعَهُ الْمُتَكَلِّمُ فِي اعْتِقَادِ مَا لَمْ يُرِدْهُ بِكَلَامِهِ، وَهَذَا التَّجْهِيلُ قَدْ تَكُونُ مَصْلَحَتُهُ أَرْجَحُ مِنْ مَفْسَدَتِهِ، وَقَدْ تَكُونُ مَفْسَدَتُهُ أَرْجَحُ مِنْ مَصْلَحَتِهِ، وَقَدْ يَتَعَارَضُ الْأَمْرَانِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ كَانَ عِلْمُهُ بِالشَّيْءِ يَحْمِلُهُ عَلَى مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَانَ تَجْهِيلُهُ بِهِ وَكِتْمَانُهُ عَنْهُ أَصْلَحُ لَهُ وَلِلْمُتَكَلِّمِ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فِي عِلْمِهِ مَضَرَّةٌ عَلَى الْقَائِلِ أَنْ تَفُوتَ عَلَيْهِ مَصْلَحَةٌ هِيَ أَرْجَحُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْبَيَانِ فَلَهُ أَنْ يَكْتُمَهُ عَنْ السَّامِعِ؛ فَإِنْ أَبَى إلَّا اسْتِنْطَاقَهُ فَلَهُ أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ.
فَالْمَقْصُودُ بِالْمَعَارِيضِ فِعْلٌ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ أَوْ مُبَاحٌ أَبَاحَ الشَّارِعُ السَّعْيَ فِي حُصُولِهِ وَنَصَبَ لَهُ سَبَبًا يُفْضِي إلَيْهِ؛ فَلَا يُقَاسُ بِهَذِهِ الْحِيَلِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ سُقُوطَ مَا أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ وَتَحْلِيلَ مَا حَرَّمَهُ، فَأَيْنَ أَحَدُ الْبَابَيْنِ مِنْ الْآخَرِ؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ؟ وَهُوَ كَقِيَاسِ الرِّبَا عَلَى الْبَيْعِ وَالْمَيْتَةِ عَلَى الْمُذَكَّى.
فَصْلٌ فَهَذَا الْفَرْقُ مِنْ جِهَةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْفَرْقُ مِنْ جِهَةِ الْمُحْتَالِ بِهِ فَإِنَّ الْمُعَرِّضَ إنَّمَا تَكَلَّمَ بِحَقٍّ، وَنَطَقَ بِصِدْقٍ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، لَا سِيَّمَا إنْ لَمْ يَنْوِ بِاللَّفْظِ خِلَافَ ظَاهِرِهِ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَدَمُ الظُّهُورِ مِنْ ضَعْفِ فَهْمِ السَّامِعِ وَقُصُورِهِ فِي فَهْمِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ، وَمَعَارِيضُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِزَاحُهُ كَانَتْ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، كَقَوْلِهِ: «نَحْنُ مِنْ مَاءٍ» وَقَوْلِهِ: «إنَّا حَامِلُوكَ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ» «وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الْعُجُزُ» «وَزَوْجُكِ الَّذِي فِي عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ» وَأَكْثَرُ مَعَارِيضِ السَّلَفِ كَانَتْ مِنْ هَذَا، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ التَّدْلِيسُ فِي الْإِسْنَادِ، لَكِنَّ هَذَا مَكْرُوهٌ لِتَعَلُّقِهِ بِالدِّينِ وَكَوْنِ الْبَيَانِ فِي الْعِلْمِ وَاجِبًا، بِخِلَافِ مَا قُصِدَ بِهِ دَفْعُ ظَالِمٍ أَوْ دَفْعُ ضَرَرٍ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ.
[الْمَعَارِيضُ عَلَى نَوْعَيْنِ]
وَالْمَعَارِيضُ نَوْعَانِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنْ يُسْتَعْمَلَ اللَّفْظُ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَا وُضِعَ لَهُ فَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَيَقْصِدُ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ حَقِيقَتِهِ، فَيَتَوَهَّمُ السَّامِعُ أَنَّهُ قَصَدَ غَيْرَهُ: إمَّا لِقُصُورِ فَهْمِهِ، وَإِمَّا لِظُهُورِ ذَلِكَ الْفَرْدِ عِنْدَهُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِمَّا لِشَاهِدِ الْحَالِ عِنْدَهُ، وَإِمَّا لِكَيْفِيَّةِ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 185
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست