responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 183
فَصْلٌ [الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الْحِيَلَ مَعَارِيضُ فِعْلِيَّةٌ] : وَأَمَّا تَمَسُّكُهُمْ بِجَوَازِ الْمَعَارِيضِ وَقَوْلِهِمْ: " إنَّ الْحِيَلَ مَعَارِيضُ فِعْلِيَّةٌ عَلَى وِزَانِ الْمَعَارِيضِ الْقَوْلِيَّةِ " فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ وَمَنْ سَلَّمَ لَكُمْ أَنَّ الْمَعَارِيضَ إذَا تَضَمَّنَتْ اسْتِبَاحَةَ الْحَرَامِ وَإِسْقَاطَ الْوَاجِبَاتِ وَإِبْطَالَ الْحُقُوقِ كَانَتْ جَائِزَةً؟ بَلْ هِيَ مِنْ الْحِيَلِ الْقَوْلِيَّةِ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ الْمَعَارِيضُ إذَا كَانَ فِيهِ تَخَلُّصٌ مِنْ ظَالِمٍ، كَمَا عَرَّضَ الْخَلِيلُ بِقَوْلِهِ: " هَذِهِ أُخْتِي " فَإِذَا تَضَمَّنَتْ نَصْرَ حَقٍّ أَوْ إبْطَالَ بَاطِلٍ كَمَا عَرَّضَ الْخَلِيلُ بِقَوْلِهِ: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89] ، وَقَوْلِهِ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: 63] وَكَمَا عَرَّضَ الْمَلَكَانِ لِدَاوُدَ بِمَا ضَرَبَاهُ لَهُ مِنْ الْمِثَالِ الَّذِي نَسَبَاهُ إلَى أَنْفُسِهِمَا، وَكَمَا عَرَّضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «نَحْنُ مِنْ مَاءٍ» وَكَمَا كَانَ يُوَرِّي عَنْ الْغَزْوَةِ بِغَيْرِهَا لِمَصْلَحَةِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، إذَا لَمْ تَتَضَمَّنْ مَفْسَدَةً فِي دِينٍ وَلَا دُنْيَا، كَمَا عَرَّضَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «إنَّا حَامِلُوكَ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ» وَبِقَوْلِهِ: «إنَّ الْجَنَّةَ لَا تَدْخُلُهَا الْعُجُزُ» وَبِقَوْلِهِ: «مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي هَذَا الْعَبْدَ» يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ، وَبِقَوْلِهِ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ: «زَوْجُكِ الَّذِي فِي عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ» وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْبَيَاضَ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ فِي عُيُونِ بَنِي آدَمَ، وَهَذِهِ الْمَعَارِيضُ وَنَحْوُهَا مِنْ أَصْدَقِ الْكَلَامِ، فَأَيْنَ فِي جَوَازِ هَذِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْحِيَلِ الْمَذْكُورَةِ؟ .
وَقَالَ شَيْخُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاَلَّذِي قِيسَتْ عَلَيْهِ الْحِيَلُ الرِّبَوِيَّةُ وَلَيْسَتْ مِثْلُهُ نَوْعَانِ؛ أَحَدُهُمَا: الْمَعَارِيضُ، وَهِيَ: أَنْ يَتَكَلَّمَ الرَّجُلُ بِكَلَامٍ جَائِزٍ يَقْصِدُ بِهِ مَعْنًى صَحِيحًا، وَيُوهِمُ غَيْرَهُ أَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ مَعْنًى آخَرَ؛ فَيَكُونُ سَبَبُ ذَلِكَ الْوَهْمِ كَوْنُ اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا بَيْن حَقِيقَتَيْنِ لُغَوِيَّتَيْنِ أَوْ عُرْفِيَّتَيْنِ أَوْ شَرْعِيَّتَيْنِ أَوْ لُغَوِيَّةٍ مَعَ إحْدَاهُمَا أَوْ عُرْفِيَّةٍ مَعَ إحْدَاهُمَا أَوْ شَرْعِيَّةٍ مَعَ إحْدَاهُمَا، فَيَعْنِي أَحَدَ مَعْنَيَيْهِ وَيُوهِمُ السَّامِعَ لَهُ أَنَّهُ إنَّمَا عَنَى الْآخَرَ: إمَّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَعْرِفْ إلَّا ذَلِكَ، وَإِمَّا لِكَوْنِ دَلَالَةِ الْحَالِ تَقْتَضِيه، وَإِمَّا لِقَرِينَةٍ حَالِيَّةٍ أَوْ مَقَالِيَّةٍ يَضُمُّهَا إلَى اللَّفْظِ، أَوْ يَكُونُ سَبَبُ التَّوَهُّمِ كَوْنَ اللَّفْظِ ظَاهِرًا فِي مَعْنًى فَيَعْنِي بِهِ مَعْنًى يَحْتَمِلُهُ بَاطِنًا: بِأَنْ يَنْوِيَ مَجَازَ اللَّفْظِ دُونَ حَقِيقَتِهِ، أَوْ يَنْوِيَ بِالْعَامِّ الْخَاصَّ أَوْ بِالْمُطْلَقِ الْمُقَيَّدَ، أَوْ يَكُونُ سَبَبُ التَّوَهُّمِ كَوْنَ الْمُخَاطَبِ إنَّمَا يَفْهَمُ مِنْ اللَّفْظِ غَيْرَ حَقِيقَتِهِ لِعُرْفٍ خَاصٍّ بِهِ أَوْ غَفْلَةٍ مِنْهُ أَوْ جَهْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ، مَعَ كَوْنِ الْمُتَكَلِّمِ إنَّمَا قَصَدَ حَقِيقَتَهُ؛ فَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِهِ رَفْعَ ضَرَرٍ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ فَهُوَ جَائِزٌ، كَقَوْلِ الْخَلِيلِ: " هَذِهِ أُخْتِي " وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَحْنُ مِنْ مَاءٍ» وَقَوْلِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " هَادٍ يَهْدِينِي السَّبِيلَ " وَمِنْهُ قَوْلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ:

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 183
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست