responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 178
فَحَمَلْتُمْ اللَّفْظَ الْعَامَّ عُمُومًا لَفْظِيًّا وَمَعْنَوِيًّا عَلَى أَنْدَرِ صُورَةٍ تَكُونُ لَوْ قُدِّرَ وُقُوعُهَا، وَأَخْلَيْتُمُوهُ عَنْ الصُّوَرِ الْوَاقِعَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ بَيْنَ الْمُحَلِّلِينَ؛ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بِعْ الْجَمِيعَ بِالدَّرَاهِمِ» أَوْلَى بِالتَّقْيِيدِ بِالنُّصُوصِ الْكَثِيرَةِ وَالْآثَارِ وَالْأَقْيِسَةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي هِيَ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْبَيْعِ الْمُتَعَارَفِ الْمَعْهُودِ عُرْفًا وَشَرْعًا، وَهَذَا بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ، وَلَا يَخْفَى عَلَى مُنْصِفٍ يُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

فَصْلٌ [حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْبَيْعِ تَمْنَعُ مِنْ صُورَةِ الْحِيلَةِ] : وَمِمَّا يُوَضِّحُ فَسَادَ حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى صُورَةِ الْحِيلَةِ وَأَنَّ كَلَامَ الرَّسُولِ وَمَنْصِبَهُ الْعَالِي مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ الَّذِي شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْبَيْعَ وَأَحَلَّهُ لِأَجْلِهِ هُوَ أَنْ يَحْصُلَ مِلْكُ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ وَيَحْصُلَ مِلْكُ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي؛ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ حَصَلَ لَهُ مَقْصُودُهُ بِالْبَيْعِ، هَذَا يَنْتَفِعُ بِالثَّمَنِ وَهَذَا بِالسِّلْعَةِ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا قَصَدَ الْمُشْتَرِي نَفْسَ السِّلْعَةِ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا أَوْ التِّجَارَةِ فِيهَا وَقَصَدَ الْبَائِعُ نَفْسَ الثَّمَنِ، وَلِهَذَا يَحْتَاطُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَصِيرُ إلَيْهِ مِنْ الْعَرْضِ هَذَا فِي وَزْنِ الثَّمَنِ وَنَقْدِهِ وَرَوَاجِهِ وَهَذَا فِي سَلَامَةِ السِّلْعَةِ مِنْ الْعَيْبِ وَأَنَّهَا تُسَاوِي الثَّمَنَ الَّذِي بَذَلَهُ فِيهَا، فَإِذَا كَانَ مَقْصُودُ كُلٍّ مِنْهُمَا ذَلِكَ فَقَدْ قَصَدَا بِالسَّبَبِ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ لَهُ، وَأَتَى بِالسَّبَبِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَسَوَاءٌ حَصَلَ مَقْصُودُهُ بِعَقْدٍ أَوْ تَوَقَّفَ عَلَى عُقُودٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ سِلْعَةٌ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْتَاعَ سِلْعَةً أُخْرَى لَا تُبَاعُ سِلْعَتُهُ [بِهَا] لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ أَوْ عُرْفِيٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا فَيَبِيعُ سِلْعَتَهُ لِيَمْلِكَ ثَمَنَهَا وَهَذَا بَيْعٌ مَقْصُودٌ وَعِوَضُهُ مَقْصُودٌ ثُمَّ يَبْتَاعُ بِالثَّمَنِ سِلْعَةً أُخْرَى وَهَذِهِ قِصَّةُ بِلَالٍ فِي تَمْرِ خَيْبَرَ سَوَاءٌ، فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ الْجَمِيعَ بِالدَّرَاهِمِ فَقَدْ أَرَادَ بِالْبَيْعِ مِلْكَ الثَّمَنِ، وَهَذَا مَقْصُودٌ مَشْرُوعٌ، ثُمَّ إذَا ابْتَاعَ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا فَقَدْ عَقَدَ عَقْدًا مَقْصُودًا مَشْرُوعًا؛ فَلَمَّا كَانَ بَائِعًا قَصَدَ تَمَلُّكَ الثَّمَنِ حَقِيقَةً، وَلَمَّا كَانَ مُبْتَاعًا قَصَدَ تَمَلُّكَ السِّلْعَةِ حَقِيقَةً، فَإِنْ ابْتَاعَ بِالثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ فَهَذَا لَا مَحْذُورَ فِيهِ؛ إذْ كُلٌّ مِنْ الْعَقْدَيْنِ مَقْصُودٌ مَشْرُوعٌ، وَلِهَذَا يَسْتَوْفِيَانِ حُكْمَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّقْدِ وَالْقَبْضِ وَغَيْرِهِمَا.
وَأَمَّا إذَا ابْتَاعَ بِالثَّمَنِ مِنْ مُبْتَاعِهِ مِنْ جِنْسِ مَا بَاعَهُ فَهَذَا يُخْشَى مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ مَقْصُودًا لَهُمَا، بَلْ قَصْدُهُمَا بَيْعُ السِّلْعَةِ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ فَيَكُونُ رِبًا بِعَيْنِهِ، وَيَظْهَرُ هَذَا الْقَصْدُ بِأَنَّهُمَا يَتَّفِقَانِ عَلَى صَاعٍ بِصَاعَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَوَصَّلَانِ إلَى ذَلِكَ بِبَيْعِ الصَّاعِ بِدِرْهَمٍ وَيَشْتَرِي بِهِ صَاعَيْنِ وَلَا يُبَالِي الْبَائِعُ بِنَقْدِ ذَلِكَ الثَّمَنِ وَلَا بِقَبْضِهِ وَلَا بِعَيْبٍ فِيهِ وَلَا بِعَدَمِ رَوَاجِهِ وَلَا يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ فِيهِ احْتِيَاطَ مَنْ قَصْدُهُ تَمَلُّكُ الثَّمَنِ؛ إذْ قَدْ عَلِمَ هُوَ وَالْآخَرُ أَنَّ الثَّمَنَ بِعَيْنِهِ خَارِجٌ مِنْهُ عَائِدٌ إلَيْهِ، فَنَقْدُهُ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 178
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست