responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 162
الْفَائِقَةِ لِكُلِّ شَرِيعَةٍ أَنْ يَشْرَعَ فِيهَا الْحِيَلَ الَّتِي تُسْقِطُ فَرَائِضَهُ، وَتُحِلُّ مَحَارِمَهُ، وَتُبْطِلُ حُقُوقَ عِبَادِهِ، وَيَفْتَحُ لِلنَّاسِ أَبْوَابَ الِاحْتِيَالِ، وَأَنْوَاعَ الْمَكْرِ وَالْخِدَاعِ، وَأَنْ يُبِيحَ التَّوَصُّلَ بِالْأَسْبَابِ الْمَشْرُوعَةِ، إلَى الْأُمُورِ الْمُحَرَّمَةِ الْمَمْنُوعَةِ، وَأَنْ يَجْعَلَهَا مُضْغَةً لِأَفْوَاهِ الْمُحْتَالِينَ، عُرْضَةً لِأَغْرَاضِ الْمُخَادِعِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيُظْهِرُونَ خِلَافَ مَا يُبْطِنُونَ، وَيَرْتَكِبُونَ الْعَبَثَ الَّذِي لَا فَائِدَةَ فِيهِ سِوَى ضِحْكَةِ الضَّاحِكِينَ وَسُخْرِيَةِ السَّاخِرِينَ.
فَيُخَادِعُونَ اللَّهَ كَمَا يُخَادِعُونَ الصِّبْيَانَ، وَيَتَلَاعَبُونَ بِحُدُودِهِ كَتَلَاعُبِ الْمُجَّانِ، فَيُحَرِّمُونَ الشَّيْءَ ثُمَّ يَسْتَحِلُّونَهُ إيَّاهُ بِعَيْنِهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ، وَيَسْلُكُونَ إلَيْهِ نَفْسَهُ طَرِيقًا تُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُهُ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ لَا غَيْرُهُ، وَيُسْقِطُونَ الْحُقُوقَ الَّتِي وَصَّى اللَّهُ بِحِفْظِهَا وَأَدَائِهَا بِأَدْنَى شَيْءٍ، وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الصُّورَةِ أَوْ الِاسْمِ أَوْ الطَّرِيقِ الْمُوَصِّلِ إلَيْهِمَا، وَيَسْتَحِلُّونَ بِالْحِيَلِ مَا هُوَ أَعْظَمُ فَسَادًا مِمَّا يُحَرِّمُونَهُ وَيُسْقِطُونَ بِهَا مَا هُوَ أَعْظَمُ وُجُوبًا مِمَّا يُوجِبُونَهُ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَزَّهَ شَرِيعَتَهُ عَنْ هَذَا التَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ، وَجَعَلَهَا كَفِيلَةٍ وَافِيَةً بِمَصَالِحِ خَلْقِهِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَجَعَلَهَا مِنْ أَعْظَمِ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، وَنَصَبَهَا طَرِيقًا مُرْشِدًا لِمَنْ سَلَكَهُ إلَيْهِ؛ فَهُوَ نُورُهُ الْمُبِينُ، وَحِصْنُهُ الْحَصِينُ، وَظِلُّهُ الظَّلِيلُ، وَمِيزَانُهُ الَّذِي لَا يَعُولُ، لَقَدْ تَعَرَّفَ بِهَا إلَى أَلِبَّاءِ عِبَادِهِ غَايَةَ التَّعَرُّفِ، وَتَحَبَّبَ بِهَا إلَيْهِمْ غَايَةَ التَّحَبُّبِ، فَأَنِسُوا بِهَا مِنْ حِكْمَتِهِ الْبَالِغَةِ، وَتَمَّتْ بِهَا عَلَيْهِمْ مِنْهُ نِعَمُهُ السَّابِغَةُ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الَّذِي فِي شَرْعِهِ أَعْظَمُ آيَةٍ تَدُلُّ عَلَى تَفَرُّدِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ وَتَوَحُّدِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَأَنَّهُ الْمَوْصُوفُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، الْمُسْتَحِقُّ لِنُعُوتِ الْجَلَالِ، الَّذِي لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتُ الْعُلَى وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى، فَلَا يَدْخُلُ السُّوءُ فِي أَسْمَائِهِ وَلَا النَّقْصُ وَالْعَيْبُ فِي صِفَاتِهِ، وَلَا الْعَبَثُ وَلَا الْجَوْرُ فِي أَفْعَالِهِ، بَلْ هُوَ مُنَزَّهٌ فِي ذَاتِهِ وَأَوْصَافِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَسْمَائِهِ عَمَّا يُضَادُّ كَمَالِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ. تَبَارَكَ اسْمُهُ، وَتَعَالَى جَدُّهُ، وَبَهَرَتْ حِكْمَتُهُ، وَتَمَّتْ نِعْمَتُهُ، وَقَامَتْ عَلَى عِبَادِهِ حُجَّتُهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا أَنْ يَكُونَ فِي شَرْعِهِ تَنَاقُضٌ وَاخْتِلَافٌ، فَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا
بَلْ هِيَ شَرِيعَةٌ مُؤْتَلِفَةُ النِّظَامِ، مُتَعَادِلَةُ الْأَقْسَامِ، مُبَرَّأَةٌ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ، مُطَهَّرَةٌ مِنْ كُلِّ دَنَسٍ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا، مُؤَسَّسَةٌ عَلَى الْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ، وَالْمَصْلَحَةِ وَالرَّحْمَةِ، قَوَاعِدُهَا وَمَبَانِيهَا، إذَا حَرَّمَتْ فَسَادًا حَرَّمَتْ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ أَوْ نَظِيرَهُ، وَإِذَا رَعَتْ صَلَاحًا رَعَتْ مَا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ شِبْهَهُ؛ فَهِيَ صِرَاطُهُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي لَا أَمْتَ فِيهِ وَلَا عِوَجَ، وَمِلَّتُهُ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ الَّتِي لَا ضِيقَ فِيهَا وَلَا حَرَجَ، بَلْ هِيَ حَنِيفِيَّةُ التَّوْحِيدِ سَمْحَةُ الْعَمَلِ، لَمْ تَأْمُرْ بِشَيْءٍ فَيَقُولُ الْعَقْلُ لَوْ نَهَتْ عَنْهُ لَكَانَ أَوْفَقَ، وَلَمْ تَنْهَ عَنْ شَيْءٍ فَيَقُولُ الْحِجَا لَوْ أَبَاحَتْهُ لَكَانَ أَرْفَقِ، بَلْ أَمَرَتْ بِكُلِّ صَلَاحٍ، وَنَهَتْ عَنْ كُلِّ فَسَادٍ، وَأَبَاحَتْ كُلِّ طَيِّبٍ، وَحَرَّمَتْ كُلِّ خَبِيثٍ، فَأَوَامِرُهَا

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 162
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست