responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 107
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَوْبَةَ الزِّنْدِيقِ بَعْدَ الْقُدْرَةِ لَا تَعْصِمُ دَمَهُ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} [التوبة: 52] قَالَ السَّلَفُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {أَوْ بِأَيْدِينَا} [التوبة: 52] بِالْقَتْلِ إنْ أَظْهَرْتُمْ مَا فِي قُلُوبِكُمْ، وَهُوَ كَمَا قَالُوا؛ لِأَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَا يُبْطِنُونَهُ مِنْ الْكُفْرِ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَتْلِ؛ فَلَوْ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُمْ بَعْدَ مَا ظَهَرَتْ زَنْدَقَتُهُمْ لَمْ يُمَكِّنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَرَبَّصُوا بِالزَّنَادِقَةِ أَنْ يُصِيبَهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يُعَذِّبُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ فَلَمْ يُصَابُوا بِأَيْدِيهِمْ قَطُّ، وَالْأَدِلَّةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَعِنْدَ هَذَا فَأَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُونَ: نَحْنُ أَسْعَدُ بِالتَّنْزِيلِ وَالسُّنَّةِ مِنْ مُخَالِفِينَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُشَنِّعِينَ عَلَيْنَا بِخِلَافِهَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[فَصْلٌ الشَّرْطُ الْمُتَقَدِّمُ وَالْمُقَارِنُ فِي الْعُقُودِ]
[الشَّرْطُ الْمُتَقَدِّمُ وَالْمُقَارِنُ] : وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَلَا يَفْسُدُ عَقْدٌ إلَّا بِالْعَقْدِ نَفْسِهِ، وَلَا يَفْسُدُ بِشَيْءٍ تَقَدَّمَهُ وَلَا تَأَخَّرَهُ، وَلَا بِتَوَهُّمٍ، وَلَا أَمَارَةَ عَلَيْهِ " يُرِيدُ أَنَّ الشَّرْطَ الْمُتَقَدِّمَ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ إذَا عَرَّى صُلْبُ الْعَقْدِ عَنْ مُقَارَنَتِهِ، وَهَذَا أَصْلٌ قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالُوا: لَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُقَارِنِ؛ إذْ مَفْسَدَةُ الشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ لَمْ تَزُلْ بِتَقَدُّمِهِ وَإِسْلَافِهِ، بَلْ مَفْسَدَتُهُ مُقَارِنًا كَمَفْسَدَتِهِ مُتَقَدِّمًا، وَأَيُّ مَفْسَدَةٍ زَالَتْ بِتَقَدُّمِ الشَّرْطِ إذَا كَانَا قَدْ عَلِمَا وَعَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْحَاضِرُونَ أَنَّهُمَا إنَّمَا عَقَدَا عَلَى ذَلِكَ الشَّرْطِ الْبَاطِلِ الْمُحَرَّمِ وَأَظْهَرَا صُورَةَ الْعَقْدِ مُطْلَقًا؟ وَهُوَ مُقَيَّدٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِذَلِكَ الشَّرْطِ الْمُحَرَّمِ؟ فَإِذَا اشْتَرَطَا قَبْلَ الْعَقْدِ أَنَّ النِّكَاحَ نِكَاحُ تَحْلِيلٍ أَوْ مُتْعَةٍ أَوْ شِغَارٍ، وَتَعَاهَدَا عَلَى ذَلِكَ، وَتَوَاطَآ عَلَيْهِ، ثُمَّ عَقَدَا عَلَى مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَسَكَتَا عَنْ إعَادَةِ الشَّرْطِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ اعْتِمَادًا عَلَى تَقَدُّمِ ذِكْرِهِ وَالْتِزَامِهِ، لَمْ يَخْرُجْ الْعَقْدُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ عَقْدَ تَحْلِيلٍ وَمُتْعَةٍ وَشِغَارٍ حَقِيقَةً. وَكَيْفَ يَعْجَزُ الْمُتَعَاقِدَانِ اللَّذَانِ يُرِيدَانِ عَقْدًا قَدْ حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لِوَصْفِ أَنْ يَشْتَرِطَا قَبْلَ الْعَقْدِ إرَادَةَ ذَلِكَ الْوَصْفِ وَأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ ثُمَّ يَسْكُتَا عَنْ ذِكْرِهِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لِيَتِمَّ غَرَضُهُمَا؟ وَهَلْ إتْمَامُ غَرَضِهِمَا إلَّا عَيْنُ تَفْوِيتِ مَقْصُودِ الشَّارِعِ؟ وَهَلْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَهِيَ أَنَّ الشَّرْطَ الْمُتَقَدِّمَ لَا يُؤَثِّرُ شَيْئًا - إلَّا فَتْحٌ لِبَابِ الْحِيَلِ؟ بَلْ هِيَ أَصْلُ الْحِيَلِ وَأَسَاسُهَا، وَكَيْف تُفَرِّقُ الشَّرِيعَةُ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِافْتِرَاقِهِمَا فِي تَقَدُّمِ لَفْظٍ وَتَأَخُّرِهِ مَعَ اسْتِوَاءِ الْعَقْدَيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَعْنَى وَالْقَصْدِ؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا مِنْ أَقْرَبِ الْوَسَائِلِ وَالذَّرَائِعِ إلَى حُصُولِ مَا قَصَدَ الشَّارِعُ عَدَمَهُ وَإِبْطَالَهُ؟ وَأَيْنَ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مِنْ قَاعِدَةِ سَدِّ الذَّرَائِعِ إلَى الْمُحَرَّمَاتِ؟ وَلِهَذَا صَرَّحَ أَصْحَابُهَا بِبُطْلَانِ سَدِّ الذَّرَائِعِ لَمَّا عَلِمُوا أَنَّهَا مُنَاقِضَةٌ لِتِلْكَ؛ فَالشَّارِعُ سَدَّ الذَّرَائِعَ إلَى الْمُحَرَّمَاتِ بِكُلِّ طَرِيقٍ، وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُوَسِّعُ الطُّرُقَ إلَيْهَا وَتَنْهَجُهَا.
وَإِذَا تَأَمَّلَ اللَّبِيبُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ وَجَدَهَا تَرْفَعُ التَّحْرِيمَ أَوْ الْوُجُوبَ مَعَ قِيَامِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 107
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست