responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 105
وُلِدَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَهَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ فِيهِمَا نِزَاعٌ بَيْنَ الْأُمَّةِ مَشْهُورٌ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ الْحُجَّةَ عَلَى قَبُولِ تَوْبَتِهِمَا، وَمَنْ لَمْ يَقْبَلْ تَوْبَتَهُمَا يَقُولُ: إنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى الْعِلْمِ بِهَا؛ فَإِنَّ الزِّنْدِيقَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُظْهِرًا لِلْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ بِإِسْلَامِهِ الثَّانِي حَالٌ مُخَالِفَةٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ؛ فَإِنَّهُ إذَا أَسْلَمَ فَقَدْ تَجَدَّدَ لَهُ بِالْإِسْلَامِ حَالٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا، وَالزِّنْدِيقُ إنَّمَا رَجَعَ إلَى إظْهَارِ الْإِسْلَامِ، وَأَيْضًا فَالْكَافِرُ كَانَ مُعْلِنًا لِكُفْرِهِ غَيْرَ مُسْتَتِرٍ بِهِ وَلَا مُخْفٍ لَهُ، فَإِذَا أَسْلَمَ تَيَقَّنَّا أَنَّهُ أَتَى بِالْإِسْلَامِ رَغْبَةً فِيهِ لَا خَوْفًا مِنْ الْقَتْلِ، وَالزِّنْدِيقُ بِالْعَكْسِ فَإِنَّهُ كَانَ مُخْفِيًا لِكُفْرِهِ مُسْتَتِرًا بِهِ، فَلَمْ نُؤَاخِذْهُ بِمَا فِي قَلْبِهِ إذَا لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ فَإِذَا ظَهَرَ عَلَى لِسَانِهِ وَآخَذْنَاهُ بِهِ فَإِذَا رَجَعَ عَنْهُ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ أَمْرٍ كَانَ مُظْهِرًا لَهُ غَيْرَ خَائِفٍ مِنْ إظْهَارِهِ وَإِنَّمَا رَجَعَ خَوْفًا مِنْ الْقَتْلِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَنَّ فِي عِبَادِهِ أَنَّهُمْ إذَا رَأَوْا بَأْسَهُ لَمْ يَنْفَعْهُمْ الْإِسْلَامُ، وَهَذَا إنَّمَا أَسْلَمَ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْبَأْسِ، وَلِهَذَا لَوْ جَاءَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ وَأَقَرَّ بِأَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا وَهُوَ تَائِبٌ مِنْهُ قَبِلْنَا تَوْبَتَهُ وَلَمْ نَقْتُلْهُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَنَّ فِي الْمُحَارِبِينَ أَنَّهُمْ إنْ تَابُوا مِنْ قَبْلِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُمْ، وَلَا تَنْفَعُهُمْ التَّوْبَةُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، وَمُحَارَبَةُ الزِّنْدِيقِ لِلْإِسْلَامِ بِلِسَانِهِ أَعْظَمُ مِنْ مُحَارَبَةِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ بِيَدِهِ وَسِنَانِهِ؛ فَإِنَّ فِتْنَةَ هَذَا فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَبْدَانِ وَفِتْنَةَ الزِّنْدِيقِ فِي الْقُلُوبِ وَالْإِيمَانِ، فَهُوَ أَوْلَى أَلَّا تُقْبَلَ تَوْبَتُهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ؛ فَإِنَّ أَمْرَهُ كَانَ مَعْلُومًا، وَكَانَ مُظْهِرًا لِكُفْرِهِ غَيْرَ كَاتِمٍ لَهُ، وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ أَخَذُوا حِذْرَهُمْ مِنْهُ، وَجَاهَرُوهُ بِالْعَدَاوَةِ وَالْمُحَارَبَةِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الزِّنْدِيقَ هَذَا دَأْبُهُ دَائِمًا، فَلَوْ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ لَكَانَ تَسْلِيطًا لَهُ عَلَى بَقَاءِ نَفْسِهِ بِالزَّنْدَقَةِ وَالْإِلْحَادِ وَكُلَّمَا قَدَرَ عَلَيْهِ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَعَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ أَمِنَ بِإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْقَتْلِ، فَلَا يَزَعُهُ خَوْفُهُ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ بِالزَّنْدَقَةِ وَالطَّعْنِ فِي الدِّينِ وَمَسَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَا يَنْكَفُّ عُدْوَانُهُ عَنْ الْإِسْلَامِ، إلَّا بِقَتْلِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ مَنْ سَبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَسَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، فَجَزَاؤُهُ الْقَتْلُ حَدًّا، وَالْحُدُودُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ بَعْدَ الْقُدْرَةِ اتِّفَاقًا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ مُحَارَبَةَ هَذَا الزِّنْدِيقِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِفْسَادَهُ فِي الْأَرْضِ أَعْظَمُ مُحَارَبَةً وَإِفْسَادًا، فَكَيْفَ تَأْتِي الشَّرِيعَةُ بِقَتْلِ مَنْ صَالَ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لِذِمِّيٍّ أَوْ عَلَى بَدَنِهِ وَلَا تَقْبَلُ تَوْبَتَهُ وَلَا تَأْتِي بِقَتْلِ مَنْ دَأْبُهُ الصَّوْلُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَالطَّعْنُ فِي دِينِهِ وَتَقْبَلُ تَوْبَتَهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؟ وَأَيْضًا فَالْحُدُودُ بِحَسَبِ الْجَرَائِمِ وَالْمَفَاسِدِ، وَجَرِيمَةُ هَذَا أَغْلَظُ الْجَرَائِمِ، وَمَفْسَدَةُ بَقَائِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ.

[مَتَى يُعْمَلُ بِالظَّاهِرِ]
[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ مَتَى يُعْمَلُ بِالظَّاهِرِ]
وَهَا هُنَا قَاعِدَةٌ يَجِبُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، وَهِيَ أَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا قَبِلَ تَوْبَةَ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 105
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست