responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 101
انْتِصَارِهِ: يَصِحُّ بَيْعُهُ كَطَلَاقِهِ، وَخَرَّجَهَا بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَمَنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ قَاسَ سَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ.
وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الْهَازِلَ أَتَى بِالْقَوْلِ غَيْرَ مُلْزَمٍ لِحُكْمِهِ، وَتَرْتِيبُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ لِلشَّارِعِ لَا لِلْعَاقِدِ، فَإِذَا أَتَى بِالسَّبَبِ لَزِمَهُ حُكْمُهُ شَاءَ أَمْ أَبَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْهَازِلَ قَاصِدٌ لِلْقَوْلِ مَرِيدٌ لَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِمَعْنَاهُ وَمُوجِبِهِ، وَقَصْدُ اللَّفْظِ الْمُتَضَمِّنِ لِلْمَعْنَى قَصْدٌ لِذَلِكَ لِلْمَعْنَى لِتَلَازُمِهِمَا، إلَّا أَنْ يُعَارِضَهُ قَصْدٌ آخَرُ كَالْمُكْرَهِ وَالْمُخَادِعِ الْمُحْتَالِ؛ فَإِنَّهُمَا قَصَدَا شَيْئًا آخَرَ غَيْرَ مَعْنَى الْقَوْلِ وَمُوجِبِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكْرَهَ قَصَدَ دَفْعَ الْعَذَابِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ السَّبَبَ ابْتِدَاءً، وَالْمُحَلِّلُ قَصَدَ إعَادَتَهَا إلَى الْمُطَلِّقِ، وَذَلِكَ مُنَافٍ لِقَصْدِهِ مُوجِبٌ السَّبَبَ، وَأَمَّا الْهَازِلُ فَقَصَدَ السَّبَبَ وَلَمْ يَقْصِدْ حُكْمَهُ وَلَا مَا يُنَافِي حُكْمَهُ فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يَنْتَقِضُ عَلَيْكُمْ بِلَغْوِ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ.
قِيلَ: اللَّاغِي لَمْ يَقْصِدْ السَّبَّ، وَإِنَّمَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِهِ؛ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ كَلَامِ النَّائِمِ وَالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ، وَأَيْضًا فَالْهَزْلُ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْهَازِلِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْعَاقِدِ الْآخَرِ، وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَبَابِهِ وَالنِّكَاحِ وَبَابِهِ قَالَ: الْحَدِيثُ وَالْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ الْعُقُودِ مَا يَكُونُ جِدُّهُ وَهَزْلُهُ سَوَاءً، وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَإِلَّا لَقَالَ الْعُقُودُ كُلُّهَا أَوْ الْكَلَامُ كُلُّهُ جِدُّهُ وَهَزْلُهُ سَوَاءٌ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَإِنَّ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ وَالرَّجْعَةَ وَالْعِتْقَ فِيهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى.
أَمَّا الْعِتْقُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَإِنَّهُ يُوجِبُ تَحْرِيمَ الْبُضْعِ، وَلِهَذَا تَجِبُ إقَامَةُ الشَّهَادَةِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْهَا الزَّوْجَةُ، وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ حِلَّ مَا كَانَ حَرَامًا وَحُرْمَةَ مَا كَانَ حَلَالًا وَهُوَ التَّحْرِيمُ الثَّابِتُ بِالْمُصَاهَرَةِ؛ وَلِهَذَا لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِالْمَهْرِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ - مَعَ تَعَاطِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ - أَنْ لَا يُرَتِّبَ عَلَيْهَا مُوجِبَاتِهَا، كَمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي كَلِمَاتِ الْكُفْرِ إذَا هَزَلَ بِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُرْآنُ؛ فَإِنَّ الْكَلَامَ الْمُتَضَمِّنَ لِحَقِّ اللَّهِ لَا يُمْكِنُ قَوْلُهُ مَعَ رَفْعِ ذَلِكَ الْحَقِّ؛ إذْ لَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَهْزِلَ مَعَ رَبِّهِ وَلَا يَسْتَهْزِئَ بِآيَاتِهِ وَلَا يَتَلَاعَبَ بِحُدُودِهِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَلْعَبُونَ بِحُدُودِ اللَّهِ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِآيَاتِهِ» وَذَلِكَ فِي الْهَازِلِينَ، يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - يَقُولُونَهَا لَعِبًا غَيْرَ مُلْتَزِمِينَ لِأَحْكَامِهَا وَحُكْمُهَا لَازِمٌ لَهُمْ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَبَابِهِ؛ فَإِنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ الَّذِي هُوَ مَحْضُ حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ بَذْلَهُ بِعِوَضٍ وَغَيْرِ عِوَضٍ، وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَلْعَبُ مَعَ الْإِنْسَانِ وَيَنْبَسِطُ مَعَهُ، فَإِذَا تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ حُكْمُ الْجَادِّ؛ لِأَنَّ الْمُزَاحَ مَعَهُ جَائِزٌ.

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 101
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست