responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 276
وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ لَمْ يَأْمُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَهْلَ الْأَمْصَارِ أَنْ لَا يَعْمَلُوا بِمَا عَرَفُوهُ مِنْ السُّنَّةِ وَعِلْمُهُمْ إيَّاهُ الصَّحَابَةُ إذَا خَالَفَ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَنَّهُمْ لَا يَعْمَلُونَ إلَّا بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، بَلْ مَالِكٌ نَفْسُهُ مَنَعَ الرَّشِيدَ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ عَزَمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: قَدْ تَفَرَّقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبِلَادِ، وَصَارَ عِنْدَ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ عِلْمٌ لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَيْسَ عِنْدَهُ حُجَّةً لَازِمَةً لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِمَا رَأَى عَلَيْهِ الْعَمَلَ، وَلَمْ يَقُلْ قَطُّ فِي مُوَطَّئِهِ وَلَا غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِغَيْرِهِ، بَلْ يُخْبِرُ إخْبَارًا مُجَرَّدًا أَنَّ هَذَا عَمَلُ أَهْلِ بَلَدِهِ؛ فَإِنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجَزَاهُ عَنْ الْإِسْلَامِ خَيْرًا ادَّعَى إجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي نَيِّفٍ وَأَرْبَعِينَ مَسْأَلَةٍ.
ثُمَّ هِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
أَحَدُهَا: لَا يُعْلَمُ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ خَالَفَهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ.
وَالثَّانِي: مَا خَالَفَ فِيهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ غَيْرَهُمْ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ اخْتِلَافُهُمْ فِيهِ، وَالثَّالِثُ: مَا فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْفُسِهِمْ، وَمِنْ وَرَعِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَقُلْ إنَّ هَذَا إجْمَاعُ الْأُمَّةِ الَّذِي لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ. وَعِنْدَ هَذَا فَنَقُولُ: مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، أَوْ هُوَ وَالثَّانِي، أَوْ هُمَا وَالثَّالِثُ؛ فَإِنْ أُرِيدَ الْأَوَّلُ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ حُجَّةٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ، وَإِنْ أُرِيدَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَأَيْنَ دَلِيلُهُ؟
وَأَيْضًا فَأَحَقُّ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً الْعَمَلُ الْقَدِيمُ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَزَمَنِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَهَذَا كَعَمَلِهِمْ الَّذِي كَأَنَّهُ مُشَاهَدٌ بِالْحِسِّ وَرَأْيِ عَيْنٍ مِنْ إعْطَائِهِمْ أَمْوَالَهُمْ الَّتِي قَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ شَهِدَ مَعَهُ خَيْبَرَ فَأَعْطَوْهَا الْيَهُودَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَالثَّمَرَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، يُقِرُّونَهُمْ مَا أَقَرَّهُمْ اللَّهُ وَيُخْرِجُونَهُمْ مَتَى شَاءُوا، وَاسْتَمَرَّ هَذَا الْعَمَلُ كَذَلِكَ بِلَا رَيْبٍ إلَى أَنْ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[مُدَّةَ] أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ مُدَّةَ خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ، وَكُلُّهُمْ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ مُدَّةَ خِلَافَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، إلَى أَنْ أَجْلَاهُمْ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ بِعَامٍ؛ فَهَذَا هُوَ الْعَمَلُ حَقًّا.
فَكَيْفَ سَاغَ خِلَافُهُ وَتَرْكُهُ لِعَمَلٍ حَادِثٍ؟ وَمِنْ ذَلِكَ عَمَلُ الصَّحَابَةِ مَعَ نَبِيِّهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي الْهَدْيِ، الْبَدَنَةُ عَنْ عَشَرَةٍ وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، فَيَا لَهُ مِنْ عَمَلٍ مَا أَحَقَّهُ وَأَوْلَاهُ بِالِاتِّبَاعِ، فَكَيْفَ يُخَالِفُ إلَى عَمَلٍ حَادِثٍ بَعْدَهُ مُخَالِفٌ لَهُ؟ وَمِنْ ذَلِكَ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّذِي كَأَنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ فِي سُجُودِهِمْ فِي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] مَعَ نَبِيِّهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ.
وَإِنَّمَا صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ أَعْوَامٍ وَبَعْضَ الرَّابِعِ، وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ عَمَلِ الصَّحَابَةِ مَعَ نَبِيِّهِمْ فِي آخِرِ أَمْرِهِ، فَهَذَا وَاَللَّهِ هُوَ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 276
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست