responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 176
انْتَهَى.
فَهَذَا طَرِيقُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَئِمَّةِ الدِّينِ، جَعَلَ أَقْوَالَ هَؤُلَاءِ بَدَلًا عَنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَقْوَالَ الصَّحَابَةِ بِمَنْزِلَةِ التَّيَمُّمِ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ؛ فَعَدَلَ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرُونَ الْمُقَلِّدُونَ إلَى التَّيَمُّمِ وَالْمَاءُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ أَسْهَلُ مِنْ التَّيَمُّمِ بِكَثِيرٍ.
ثُمَّ حَدَثَتْ بَعْدَ هَؤُلَاءِ فِرْقَةٌ هُمْ أَعْدَاءُ الْعِلْمِ وَأَهْلِهِ فَقَالُوا: إذَا نَزَلَتْ بِالْمُفْتِي أَوْ الْحَاكِمِ نَازِلَةٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْظُرَ فِيهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ وَلَا أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ بَلْ إلَى مَا قَالَهُ مُقَلَّدُهُ وَمَتْبُوعُهُ وَمَنْ جَعَلَهُ عِيَارًا عَلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ؛ فَمَا وَافَقَ قَوْلَهُ أَفْتَى بِهِ وَحَكَمَ بِهِ، وَمَا خَالَفَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِهِ وَلَا يَقْضِيَ بِهِ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَعَرَّضَ لِعَزْلِهِ عَنْ مَنْصِبِ الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ، وَاسْتَفْتَى لَهُ: مَا تَقُولُ السَّادَةُ وَالْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يُنْتَسَبُ إلَى مَذْهَبِ إمَامٍ مُعَيَّنٍ يُقَلِّدُهُ دُونَ غَيْرِهِ، ثُمَّ يُفْتِي أَوْ يَحْكُمُ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ، هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَقْدَحُ ذَلِكَ فِيهِ أَمْ لَا؟ فَيُنْغِضُ الْمُقَلِّدُونَ رُءُوسَهُمْ، وَيَقُولُونَ لَهُ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَيَقْدَحُ فِيهِ.
وَلَعَلَّ الْقَوْلَ الَّذِي عَدَلَ إلَيْهِ هُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَمْثَالِهِمْ؛ فَيُجِيبُ هَذَا الَّذِي انْتَصَبَ لِلتَّوْقِيعِ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَةُ قَوْلِ مَتْبُوعِهِ لِأَقْوَالِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ أَقْوَالِهِمْ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ جِنَايَاتِ فِرْقَةِ التَّقْلِيدِ عَلَى الدِّينِ، وَلَوْ أَنَّهُمْ لَزِمُوا حَدَّهُمْ وَمَرْتَبَتَهُمْ وَأَخْبَرُوا إخْبَارًا مُجَرَّدًا عَمَّا وَجَدُوهُ مِنْ السَّوَادِ فِي الْبَيَاضِ مِنْ أَقْوَالٍ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِصَحِيحِهَا مِنْ بَاطِلِهَا لَكَانَ لَهُمْ عُذْرٌ مَا عِنْدَ اللَّهِ، وَلَكِنْ هَذَا مَبْلَغُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ، وَهَذِهِ مُعَادَاتُهُمْ لِأَهْلِهِ وَلِلْقَائِمِينَ لِلَّهِ بِحُجَجِهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[هَلْ قَلَّدَ الصَّحَابَةُ عُمَرَ؟]
الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ: قَوْلُكُمْ: " مَنَعَ عُمَرُ مِنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَتَبِعَهُ الصَّحَابَةُ وَأَلْزَمَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَتَبِعُوهُ أَيْضًا " جَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ لَمْ يَتَّبِعُوهُ تَقْلِيدًا لَهُ، بَلْ أَدَّاهُمْ اجْتِهَادُهُمْ فِي ذَلِكَ إلَى مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَطُّ: إنِّي رَأَيْت ذَلِكَ تَقْلِيدًا لِعُمَرَ.
الثَّانِي: أَنَّهُمْ لَمْ يَتَّبِعُوهُ كُلُّهُمْ فَهَذَا ابْنُ مَسْعُودٍ يُخَالِفُهُ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ يُخَالِفُهُ فِي الْإِلْزَامِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَغَيْرُهُمْ فَالْحَاكِمُ هُوَ الْحُجَّةُ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي اتِّبَاعِ قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَتَقْلِيدُ الصَّحَابَةِ لَوْ فُرِضَ لَهُ فِي ذَلِكَ مَا يُسَوِّغُ تَقْلِيدُ مَنْ هُوَ دُونَهُ بِكَثِيرٍ فِي كُلِّ مَا يَقُولُهُ وَتَرْكِ قَوْلِ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَمَنْ هُوَ فَوْقَهُ وَأَعْلَمُ مِنْهُ، فَهَذَا مِنْ أَبْطَلْ الِاسْتِدْلَالِ، وَهُوَ تَعَلُّقٌ بِبَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ فَقَلِّدُوا عُمَرَ وَاتْرُكُوا تَقْلِيدَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، فَأَمَّا وَأَنْتُمْ تُصَرِّحُونَ بِأَنَّ عُمَرَ لَا يُقَلَّدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 176
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست