responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 173
عِنْدَ كَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ بِسُنَّتِهِ وَسُنَّةِ خُلَفَائِهِ، وَأَمَرْتُمْ أَنْتُمْ بِرَأْيِ فُلَانٍ وَمَذْهَبِ فُلَانٍ.
الثَّانِي: أَنَّهُ حَذَّرَ مِنْ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ التَّقْلِيدِ الَّذِي تُرِكَ لَهُ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَيُعْرَضُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ عَلَيْهِ وَيُجْعَلُ مِعْيَارًا عَلَيْهِمَا مِنْ أَعْظَمِ الْمُحْدَثَاتِ وَالْبِدَعِ الَّتِي بَرَّأَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْقُرُونَ الَّتِي فَضَلَّهَا وَخَيَّرَهَا عَلَى غَيْرِهَا.
وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا سَنَّهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أَوْ أَحَدُهُمْ لِلْأُمَّةِ فَهُوَ حُجَّةٌ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهَا، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ قَوْلِ فِرْقَةِ التَّقْلِيدِ: لَيْسَتْ سُنَّتُهُمْ حُجَّةً، وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمْ فِيهَا؟ .

[أَخْبَرَ الرَّسُولُ أَنَّهُ سَيَحْدُثُ اخْتِلَافُ كَثِيرٌ]
يُوَضِّحُهُ الْوَجْهُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي نَفْسِ هَذَا الْحَدِيثِ: «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا» وَهَذَا ذَمٌّ لِلْمُخْتَلِفِينَ، وَتَحْذِيرٌ مِنْ سُلُوكِ سَبِيلِهِمْ، وَإِنَّمَا كَثُرَ الِاخْتِلَافُ وَتَفَاقَمَ أَمْرُهُ بِسَبَبِ التَّقْلِيدِ وَأَهْلِهِ، وَهُمْ الَّذِينَ فَرَّقُوا الدِّينَ وَصَيَّرُوا أَهْلَهُ شِيَعًا، كُلُّ فِرْقَةٍ تَنْصُرُ مَتْبُوعَهَا، وَتَدْعُو إلَيْهِ، وَتَذُمُّ مَنْ خَالَفَهَا، وَلَا يَرَوْنَ الْعَمَلَ بِقَوْلِهِمْ حَتَّى كَأَنَّهُمْ مِلَّةٌ أُخْرَى سِوَاهُمْ، يَدْأَبُونَ وَيَكْدَحُونَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، وَيَقُولُونَ: كُتُبُهُمْ، وَكُتُبُنَا وَأَئِمَّتُهُمْ وَأَئِمَّتُنَا، وَمَذْهَبُهُمْ وَمَذْهَبُنَا.
هَذَا وَالنَّبِيُّ وَاحِدٌ وَالْقُرْآنُ وَاحِدٌ وَالدِّينُ وَاحِدٌ وَالرَّبُّ وَاحِدٌ؛ فَالْوَاجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ أَنْ يَنْقَادُوا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَهُمْ كُلِّهِمْ، وَأَنْ لَا يُطِيعُوا إلَّا الرَّسُولَ، وَلَا يَجْعَلُوا مَعَهُ مَنْ يَكُونُ أَقْوَالُهُ كَنُصُوصِهِ، وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ؛ فَلَوْ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَانْقَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِمَنْ دَعَاهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَحَاكَمُوا كُلُّهُمْ إلَى السُّنَّةِ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ لَقَلَّ الِاخْتِلَافُ وَإِنْ لَمْ يَعْدَمْ مِنْ الْأَرْضِ؛ وَلِهَذَا تَجِدُ أَقَلَّ النَّاسِ اخْتِلَافًا أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ؛ فَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ طَائِفَةٌ أَكْثَرَ اتِّفَاقًا وَأَقَلَّ اخْتِلَافًا مِنْهُمْ لِمَا بَنَوْا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَكُلَّمَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ عَنْ الْحَدِيثِ أَبْعَدَ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ أَشَدَّ وَأَكْثَرَ، فَإِنَّ مَنْ رَدَّ الْحَقَّ مَرَجَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَاخْتَلَطَ عَلَيْهِ وَالْتَبَسَ عَلَيْهِ وَجْهُ الصَّوَابِ فَلَمْ يَدْرِ أَيْنَ يَذْهَبُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق: 5] .

[فَصَلِّ أَمَرَ عُمَرُ شُرَيْحًا بِتَقْدِيمِ الْكِتَابِ ثُمَّ السُّنَّةِ]
[أَمَرَ عُمَرُ شُرَيْحًا بِتَقْدِيمِ الْكِتَابِ ثُمَّ السُّنَّةِ]
الْوَجْهُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ: قَوْلُكُمْ إنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى شُرَيْحٍ: " أَنْ اقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَبِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ فَبِمَا قَضَى بِهِ الصَّالِحُونَ " فَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ الْحُجَجِ عَلَيْكُمْ عَلَى بُطْلَانِ التَّقْلِيدِ؛ فَإِنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يُقَدِّمَ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 173
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست