responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 143
وَهَذَا أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي مَسَائِلِ الْآبَارِ: لَيْسَ مَعَهُ فِيهَا إلَّا تَقْلِيدُ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ التَّابِعِينَ فِيهَا. وَهَذَا مَالِكٌ لَا يَخْرُجُ عَنْ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَيُصَرِّحُ فِي مُوَطَّئِهِ بِأَنَّهُ أَدْرَكَ الْعَمَلَ عَلَى هَذَا، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا. وَيَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ: مَا رَأَيْت أَحَدًا أَقْتَدِي بِهِ يَفْعَلُهُ. وَلَوْ جَمَعْنَا ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ لَطَالَ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الصَّحَابَةِ: رَأْيُهُمْ لَنَا خَيْرٌ مِنْ رَأْيِنَا لِأَنْفُسِنَا، وَنَحْنُ نَقُولُ وَنُصَدِّقُ أَنَّ رَأْيَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَئِمَّةِ مَعَهُ لَنَا خَيْرٌ مِنْ رَأْيِنَا لِأَنْفُسِنَا. وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي فِطَرِ الْعِبَادِ تَقْلِيدَ الْمُتَعَلِّمِينَ لِلْأُسْتَاذَيْنِ وَالْمُعَلِّمِينَ، وَلَا تَقُومُ مَصَالِحُ الْخَلْقِ، إلَّا بِهَذَا، وَذَلِكَ عَامٌّ فِي كُلِّ عِلْمٍ وَصِنَاعَةٍ، وَقَدْ فَاوَتَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَيْنَ قُوَى الْأَذْهَانِ كَمَا فَاوَتَ بَيْنَ قُوَى الْأَبَدَانِ، فَلَا يُحْسَنُ فِي حِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ وَرَحْمَتِهِ أَنْ يَفْرِضَ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ مَعْرِفَةَ الْحَقِّ بِدَلِيلِهِ وَالْجَوَابَ عَنْ مُعَارِضِهِ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ الدِّينِ دَقِيقِهَا وَجَلِيلِهَا؛ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَتَسَاوَتْ أَقْدَامُ الْخَلَائِقِ فِي كَوْنِهِمْ عُلَمَاءَ، بَلْ جَعَلَ سُبْحَانَهُ هَذَا عَالِمًا، وَهَذَا مُتَعَلِّمًا، وَهَذَا مُتَّبِعًا لِلْعَالِمِ مُؤْتَمًّا بِهِ، بِمَنْزِلَةِ الْمَأْمُومِ مَعَ الْإِمَامِ وَالتَّابِعِ مَعَ الْمَتْبُوعِ، وَأَيْنَ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْجَاهِلِ أَنْ يَكُونَ مُتَّبِعًا لِلْعَالِمِ مُؤْتَمًّا بِهِ مُقَلِّدًا لَهُ يَسِيرُ بِسَيْرِهِ وَيَنْزِلُ بِنُزُولِهِ؟ وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْحَوَادِثَ وَالنَّوَازِلَ كُلَّ وَقْتٍ نَازِلَةٌ بِالْخَلْقِ، فَهَلْ فَرَضَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ فَرْضَ عَيْنٍ أَنْ يَأْخُذَ حُكْمَ نَازِلَتِهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ بِشُرُوطِهَا وَلَوَازِمِهَا؟ وَهَلْ ذَلِكَ فِي إمْكَانِ أَحَدٍ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مَشْرُوعًا؟ وَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَحُوا الْبِلَادَ، وَكَانَ الْحَدِيثُ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ يَسْأَلُهُمْ فَيُفْتُونَهُ، وَلَا يَقُولُونَ لَهُ: عَلَيْك أَنْ تَطْلُبَ مَعْرِفَةَ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْفَتْوَى بِالدَّلِيلِ، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَلْبَتَّةَ، وَهَلْ التَّقْلِيدُ إلَّا مِنْ لَوَازِمِ التَّكْلِيفِ وَلَوَازِمِ الْوُجُودِ فَهُوَ مِنْ لَوَازِمِ الشَّرْعِ وَالْقَدَرِ. وَالْمُنْكِرُونَ لَهُ مُضْطَرُّونَ إلَيْهِ وَلَا بُدَّ، وَذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ وَغَيْرِهَا. وَنَقُولُ لِمَنْ احْتَجَّ عَلَى إبْطَالِهِ: كُلُّ حُجَّةٍ أَثَرِيَّةٍ ذَكَرْتهَا فَأَنْتَ مُقَلِّدٌ لِحَمَلَتِهَا وَرُوَاتِهَا؛ إذْ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ عَلَى صِدْقِهِمْ، فَلَيْسَ بِيَدِك إلَّا تَقْلِيدَ الرَّاوِي، وَلَيْسَ بِيَدِ الْحَاكِمِ إلَّا تَقْلِيدُ الشَّاهِدِ، وَكَذَلِكَ لَيْسَ بِيَدِ الْعَامِّيِّ إلَّا تَقْلِيدُ الْعَالِمِ، فَمَا الَّذِي سَوَّغَ لَك تَقْلِيدَ الرَّاوِي وَالشَّاهِدِ وَمَنْعَنَا مِنْ تَقْلِيدِ الْعَالِمِ، وَهَذَا سَمِعَ بِأُذُنِهِ مَا رَوَاهُ، وَهَذَا عَقَلَ بِقَلْبِهِ مَا سَمِعَهُ، فَأَدَّى هَذَا مَسْمُوعَهُ، وَأَدَّى هَذَا مَعْقُولَهُ، وَفُرِضَ عَلَى هَذَا تَأْدِيَةُ مَا سَمِعَهُ، وَعَلَى هَذَا تَأْدِيَةُ مَا عَقَلَهُ، وَعَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مَنْزِلَتَهُمَا الْقَوْلُ مِنْهُمَا؟ ثُمَّ يُقَالُ لِلْمَانِعِينَ مِنْ التَّقْلِيدِ: أَنْتُمْ مَنَعْتُمُوهُ خَشْيَةَ وُقُوعِ الْمُقَلَّدِ فِي الْخَطَأِ بِأَنْ يَكُونَ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 143
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست