responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 90
لَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَلَا فِي أَحْكَامِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ؛ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ شَيْءٍ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْ تَحْرِيمِهِ وُجُوبُهُ عَلَى الْآخَرِ وَتَحْرِيمُهُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ بَعْضَهُ، وَلَا مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى أَحَدِهِمَا وُجُوبُهُ عَلَى الْآخَرِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ» فَلَا يُجْنَى عَلَيْهِ، وَلَا يُعَاقَبُ بِذَنْبِهِ، وَلَا يُثَابُ بِحَسَنَاتِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَا الْحَجُّ بِغِنَى الْآخَرِ، ثُمَّ قَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِهِ مِنْهُ وَإِجَارَتِهِ وَمُضَارَبَتِهِ وَمُشَارَكَتِهِ، فَلَوْ امْتَنَعَتْ شَهَادَتُهُ لَهُ لِكَوْنِهِ جُزْءَاهُ فَيَكُونُ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ لَامْتَنَعَتْ هَذِهِ الْعُقُودُ، إذْ يَكُونُ عَاقِدًا لَهَا مَعَ نَفْسِهِ.
فَإِنْ قُلْتُمْ: هُوَ مُتَّهَمٌ بِشَهَادَتِهِ لَهُ، بِخِلَافِ هَذِهِ الْعُقُودِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَتَّهِمُ فِيهَا مَعَهُ.
قِيلَ: هَذَا عَوْدٌ مِنْكُمْ إلَى الْمَأْخَذِ الثَّانِي، وَهُوَ مَأْخَذُ التُّهْمَةِ فَيُقَالُ: التُّهْمَةُ وَحْدَهَا مُسْتَقِلَّةٌ بِالْمَنْعِ، سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ تُهْمَةَ الْإِنْسَانِ فِي صَدِيقِهِ وَعَشِيرِهِ وَمَنْ يَعْنِيهِ مَوَدَّتَهُ وَمَحَبَّتَهُ أَعْظَمُ مِنْ تُهْمَتِهِ فِي أَبِيهِ وَابْنِهِ، وَالْوَاقِعُ شَاهِدٌ بِذَلِكَ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُحَابِي صَدِيقَهُ وَعَشِيرَهُ وَذَا وُدِّهِ أَعْظَمَ مِمَّا يُحَابِي أَبَاهُ وَابْنَهُ.
فَإِنْ قُلْتُمْ: الِاعْتِبَارُ بِالْمَظِنَّةِ، وَهِيَ الَّتِي تَنْضَبِطُ، بِخِلَافِ الْحِكْمَةِ؛ فَإِنَّهَا لِانْتِشَارِهَا وَعَدَمِ انْضِبَاطِهَا لَا يُمْكِنُ التَّعْلِيلُ بِهَا.
قِيلَ: هَذَا صَحِيحٌ فِي الْأَصْنَافِ الَّتِي شَهِدَ لَهَا الشَّرْعُ بِالِاعْتِبَارِ، وَعَلَّقَ بِهَا الْأَحْكَامَ، دُونَ مَظَانِّهَا، فَأَيْنَ عَلَّقَ الشَّارِعُ عَدَمَ قَبُولِ الشَّهَادَةِ بِوَصْفِ الْأُبُوَّةِ أَوْ الْبُنُوَّةِ أَوْ الْأُخُوَّةِ؟ وَالتَّابِعُونَ إنَّمَا نَظَرُوا إلَى التُّهْمَةِ، فَهِيَ الْوَصْفُ الْمُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ، فَيَجِبُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَلَا تَأْثِيرَ لِخُصُوصِ الْقَرَابَةِ وَلَا عُمُومِهَا، بَلْ قَدْ تُوجَدُ الْقَرَابَةُ حَيْثُ لَا تُهْمَةَ، وَتُوجَدُ التُّهْمَةُ حَيْثُ لَا قَرَابَةَ، وَالشَّارِعُ إنَّمَا عَلَّقَ قَبُولَ الشَّهَادَةِ بِالْعَدَالَةِ وَكَوْنُ الشَّاهِدِ مَرَضِيًّا، وَعَلَّقَ عَدَمَ قَبُولِهَا بِالْفِسْقِ، وَلَمْ يُعَلِّقْ الْقَبُولَ وَالرَّدَّ بِأَجْنَبِيَّةٍ وَلَا قَرَابَةٍ.
قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: " إنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْعُقُودِ " فَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مُتَّهَمٌ مَعَهُ فِي الْمُحَابَاةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ إبْطَالُهَا، وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَمْ يُحَابِهِ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ، وَلَوْ حَابَاهُ بَطَلَ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ، فَعَلَّقَ الْبُطْلَانَ بِالتُّهْمَةِ لَا بِمَظِنَّتِهَا.
قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيك» فَلَا يَمْنَعُ شَهَادَةَ الِابْنِ لِأَبِيهِ، فَإِنَّ الْأَبَ لَيْسَ هُوَ وَمَالُهُ لِابْنِهِ، وَلَا يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى [عَدَمِ] قَبُولِ شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ أَكْثَرُ مُنَازِعِينَا لَا يَقُولُونَ بِهِ، بَلْ عِنْدَهُمْ أَنَّ مَالَ الِابْنِ لَهُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَأَنَّ الْأَبَ لَا يَتَمَلَّكُ عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْئًا، وَاَلَّذِي لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ حَمَّلْتُمُوهُ إيَّاهُ، وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ لَمْ تَقُولُوا بِهِ، وَنَحْنُ نَتَلَقَّى أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّهَا بِالْقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ وَنَسْتَعْمِلُهَا فِي

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 90
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست