responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 85
فَصْلٌ.
[الْحُقُوقُ ضَرْبَانِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ عِبَادِهِ] .
وَالْحُقُوقُ نَوْعَانِ: حَقُّ اللَّهِ، وَحَقُّ الْآدَمِيِّ؛ فَحَقُّ اللَّهِ لَا مَدْخَلَ لِلصُّلْحِ فِيهِ كَالْحُدُودِ وَالزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَنَحْوِهَا، وَإِنَّمَا الصُّلْحُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ فِي إقَامَتِهَا، لَا فِي إهْمَالِهَا، وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ بِالْحُدُودِ، وَإِذَا بَلَغَتْ السُّلْطَانَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّعَ.
وَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ فَهِيَ الَّتِي تَقْبَلُ الصُّلْحَ وَالْإِسْقَاطَ وَالْمُعَاوَضَةَ عَلَيْهَا، وَالصُّلْحُ الْعَادِلُ هُوَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَ: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} [الحجرات: 9] وَالصُّلْحُ الْجَائِرُ هُوَ الظُّلْمُ بِعَيْنِهِ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لَا يَعْتَمِدُ الْعَدْلَ فِي الصُّلْحِ، بَلْ يُصْلِحُ صُلْحًا ظَالِمًا جَائِرًا، فَيُصَالِحُ بَيْنَ الْغَرِيمَيْنِ عَلَى دُونِ الطَّفِيفِ مِنْ حَقِّ أَحَدِهِمَا، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ بَيْنَ كَعْبٍ وَغَرِيمِهِ وَصَالَحَ أَعْدَلَ الصُّلْحِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الشَّطْرَ وَيَدَعَ الشَّطْرَ؛ وَكَذَلِكَ لَمَّا عَزَمَ عَلَى طَلَاقِ سَوْدَةَ رَضِيَتْ بِأَنْ تَهَبَ لَهُ لَيْلَتَهَا وَتَبْقَى عَلَى حَقِّهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، فَهَذَا أَعْدَلُ الصُّلْحِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَبَاحَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ وَيَسْتَبْدِلَ بِهَا غَيْرَهَا، فَإِذَا رَضِيَتْ بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا وَأَخْذِ بَعْضِهِ وَأَنْ يُمْسِكَهَا كَانَ هَذَا مِنْ الصُّلْحِ الْعَادِلِ، وَكَذَلِكَ أَرْشَدَ الْخَصْمَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَتْ بَيْنَهُمَا الْمَوَارِيثُ بِأَنْ يَتَوَخَّيَا الْحَقَّ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ثُمَّ يُحْلِلْ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ؛ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ الْمُقْتَتِلَتَيْنِ أَوَّلًا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَحِينَئِذٍ أَمَرَ بِقِتَالِ الْبَاغِيَةِ لَا بِالصُّلْحِ فَإِنَّهَا ظَالِمَةٌ، فَفِي الْإِصْلَاحِ مَعَ ظُلْمِهَا هَضْمٌ لِحَقِّ الطَّائِفَةِ الْمَظْلُومَةِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الظَّلَمَةِ الْمُصْلِحِينَ يُصْلِحُ بَيْنَ الْقَادِرِ الظَّالِمِ وَالْخَصْمِ الضَّعِيفِ الْمَظْلُومِ بِمَا يُرْضِي بِهِ الْقَادِرَ صَاحِبَ الْجَاهِ، وَيَكُونُ لَهُ فِيهِ الْحَظُّ، وَيَكُونُ الْإِغْمَاضُ وَالْحَيْفُ فِيهِ عَلَى الضَّعِيفِ، وَيَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ أَصْلَحَ، وَلَا يُمَكِّنُ الْمَظْلُومَ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ، وَهَذَا ظُلْمٌ، بَلْ يُمَكِّنُ الْمَظْلُومَ مِنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ، ثُمَّ يَطْلُبُ إلَيْهِ بِرِضَاهُ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ حَقِّهِ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ لِصَاحِبِ الْجَاهِ، وَلَا يَشْتَبِهُ بِالْإِكْرَاهِ لِلْآخَرِ بِالْمُحَابَاةِ وَنَحْوِهَا.
فَصْلٌ.
[الصُّلْحُ إمَّا مَرْدُودٌ وَإِمَّا جَائِزٌ نَافِذٌ]
وَالصُّلْحُ الَّذِي يُحِلُّ الْحَرَامَ وَيُحَرِّمُ الْحَلَالَ كَالصُّلْحِ الَّذِي يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ بُضْعٍ حَلَالٍ، أَوْ إحْلَالَ بِضْع حَرَامٍ، أَوْ إرْقَاقَ حُرٍّ، أَوْ نَقْلَ نَسَبٍ أَوْ وَلَاءً عَنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ، أَوْ أَكْلَ رَبًّا، أَوْ إسْقَاطَ وَاجِبٍ، أَوْ تَعْطِيلَ حَدٍّ، أَوْ ظُلْمَ ثَالِثٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ فَكُلُّ هَذَا صُلْحٌ جَائِزٌ مَرْدُودٌ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 85
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست