responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 296
وَالْإِجْمَاعِ.
وَأَمَّا تَنْجِيسُ الْمَاءِ بِالْمُلَاقَاةِ فَمَوْرِدُ نِزَاعٍ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ مَوْرِدُ النِّزَاعِ حُجَّةً عَلَى مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ؟ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي رَدَّ مَوَارِدِ النِّزَاعِ إلَى مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ، وَأَيْضًا فَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الْعُقُولُ أَنَّ الْمَاءَ إذَا لَمْ تُغَيِّرْهُ النَّجَاسَةُ لَا يَنْجُسُ، فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ، وَهُوَ طَيِّبٌ، فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي الْمَائِعَاتِ جَمِيعِهَا إذَا وَقَعَ فِيهَا نَجَاسَةٌ فَاسْتَحَالَتْ بِحَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ لَهَا لَوْنٌ وَلَا طَعْمٌ وَلَا رِيحٌ.
وَقَدْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ: هَلْ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي نَجَاسَةَ الْمَاءِ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الدَّلِيلُ، أَوْ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالثَّانِي قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَفُقَهَاءُ الْحَدِيثِ مِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ هَذَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ هَذَا.
وَقَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأُصُولُ وَالنُّصُوصُ وَالْمَعْقُولُ، فَإِنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - أَبَاحَ الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ الْخَبَائِثَ، وَالطَّيِّبُ وَالْخَبِيثُ يَثْبُتُ لِلْمَحَلِّ بِاعْتِبَارِ صِفَاتٍ قَائِمَةٍ بِهِ، فَمَا دَامَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ فَالْحُكْمُ تَابِعٌ لَهَا، فَإِذَا زَالَتْ وَخَلَفَتْهَا الصِّفَةُ الْأُخْرَى زَالَ الْحُكْمُ وَخَلَفَهُ ضِدُّهُ، فَهَذَا هُوَ مَحْضُ الْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ، فَهَذَا الْمَاءُ وَالطَّعَامُ كَانَ طَيِّبًا لِقِيَامِ الصِّفَةِ الْمُوجِبَةِ لِطِيبِهِ، فَإِذَا زَالَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ وَخَلَفَتْهَا صِفَةُ الْخُبْثِ عَادَ خَبِيثًا، فَإِذَا زَالَتْ صِفَةُ الْخُبْثِ عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَهَذَا كَالْعَصِيرِ الطَّيِّبِ إذَا تَخَمَّرَ صَارَ خَبِيثًا فَإِذَا عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ عَادَ طَيِّبًا، وَالْمَاءُ الْكَثِيرُ إذَا تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ صَارَ خَبِيثًا فَإِذَا زَالَ التَّغَيُّرُ عَادَ طَيِّبًا، وَالرَّجُلُ الْمُسْلِمُ إذَا ارْتَدَّ صَارَ خَبِيثًا فَإِذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ عَادَ طَيِّبًا.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ طَيِّبٌ الْحِسُّ وَالشَّرْعُ: أَمَّا الْحِسُّ فَلِأَنَّ الْخُبْثَ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِيهِ أَثَرٌ بِوَجْهٍ مَا، لَا فِي لَوْنٍ وَلَا طَعْمٍ وَلَا رَائِحَةٍ، وَمُحَالٌ صِدْقُ الْمُشْتَقِّ بِدُونِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ. وَأَمَّا الشَّرْعُ فَمِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ كَانَ طَيِّبًا قَبْلَ مُلَاقَاتِهِ لِمَا يَتَأَثَّرُ بِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ حَتَّى يَثْبُتَ رَفْعُهُ وَهَذَا يَتَضَمَّنُ أَنْوَاعَ الِاسْتِصْحَابِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: اسْتِصْحَابُ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ الْإِثْمِ بِتَنَاوُلِهِ شُرْبًا أَوْ طَبْخًا أَوْ عَجْنًا، وَمُلَابَسَةُ اسْتِصْحَابِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ، وَاسْتِصْحَابُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ شَرِبَ هَذَا الْمَاءَ الَّذِي قُطِرَتْ فِيهِ قَطْرَةٌ مِنْ خَمْرٍ مِثْلُ رَأْسِ الذُّبَابَةِ لَمْ يُحَدَّ اتِّفَاقًا، وَلَوْ شَرِبَهُ صَبِيٌّ وَقَدْ قُطِرَتْ فِيهِ قَطْرَةٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ تَنْشُرْ الْحُرْمَةُ، فَلَا وَجْهَ لِلْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهِ لَا مِنْ كِتَابٍ وَلَا مِنْ سُنَّةٍ وَلَا قِيَاسٍ.
وَاَلَّذِينَ قَالُوا: " إنَّ الْأَصْلَ نَجَاسَةُ الْمَاءِ بِالْمُلَاقَاةِ " تَنَاقَضُوا أَعْظَمَ تَنَاقُضٍ، وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ طَرْدُ هَذَا الْأَصْلِ: فَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَثْنَى مِقْدَارَ الْقُلَّتَيْنِ عَلَى خِلَافِهِمْ فِيهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَثْنَى مَا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَثْنَى مَا إذَا حُرِّكَ أَحَدُ طَرَفَيْهِ لَمْ يَتَحَرَّكْ الطَّرَفُ الْآخَرُ، وَمِنْهُمْ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 296
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست