responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 292
يَكُنْ ذَلِكَ عَدْلًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا جُزْءٌ شَائِعٌ فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْمَغْنَمِ وَالْمَغْرَمِ، فَإِنْ حَصَلَ رِبْحٌ اشْتَرَكَا فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ اشْتَرَكَا فِي الْمَغْرَمِ، وَذَهَبَ نَفْعُ بَدَنِ هَذَا كَمَا ذَهَبَ نَفْعُ مَالِ هَذَا، وَلِهَذَا كَانَتْ الْوَضِيعَةُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ ذَهَابِ نَفْعِ الْمَالِ، وَلِهَذَا كَانَ الصَّوَابُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ بِرِبْحِ الْمِثْلِ، فَيُعْطَى الْعَامِلُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُعْطَاهُ مِثْلُهُ إمَّا نِصْفَهُ أَوْ ثُلُثَهُ.
فَأَمَّا أَنْ يُعْطَى شَيْئًا مُقَدَّرًا مَضْمُونًا فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ كَمَا يُعْطَى فِي الْإِجَارَةِ وَالْجَعَالَةِ فَهَذَا غَلَطٌ مِمَّنْ قَالَهُ، وَسَبَبُ غَلَطِهِ ظَنُّهُ أَنَّ هَذِهِ إجَارَةٌ فَأَعْطَاهُ فِي فَاسِدِهَا عِوَضَ الْمِثْلِ كَمَا يُعْطِيهِ فِي الصَّحِيحِ الْمُسَمَّى، وَمِمَّا يُبَيِّنُ غَلَطَ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْعَامِلَ قَدْ يَعْمَلُ عَشْرَ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ، فَلَوْ أُعْطِيَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ أُعْطِيَ أَضْعَافَ رَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَةِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا جُزْءًا مِنْ الرِّبْحِ إنْ كَانَ هُنَاكَ رِبْحٌ، فَكَيْفَ يَسْتَحِقُّ فِي الْفَاسِدَةِ أَضْعَافَ مَا يَسْتَحِقُّهُ فِي الصَّحِيحَةِ؟
وَكَذَلِكَ الَّذِينَ أَبْطَلُوا الْمُزَارَعَةَ وَالْمُسَاقَاةَ ظَنُّوا أَنَّهُمَا إجَارَةٌ بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ فَأَبْطَلُوهُمَا، وَبَعْضُهُمْ صَحَّحَ مِنْهُمَا مَا تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ كَالْمُسَاقَاةِ عَلَى الشَّجَرِ لِعَدَمِ إمْكَانِ إجَارَتِهَا بِخِلَافِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ إجَارَتُهَا، وَجَوَّزُوا مِنْ الْمُزَارَعَةِ مَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا إذَا كَانَ الْبَيَاضُ الثُّلُثَ، وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ بُطْلَانُ الْمُزَارَعَةِ، وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ.
وَمَنْ أَعْطَى النَّظَرَ حَقَّهُ عَلِمَ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ أَبْعَدُ عَنْ الظُّلْمِ وَالْغَرَرِ مِنْ الْإِجَارَةِ بِأُجْرَةٍ مُسَمَّاةٍ مَضْمُونَةٍ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إنَّمَا يَقْصِدُ الِانْتِفَاعَ بِالزَّرْعِ النَّابِتِ فِي الْأَرْضِ، فَإِذَا لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ وَمَقْصُودُهُ مِنْ الزَّرْعِ قَدْ يَحْصُلُ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ كَانَ فِي هَذَا حُصُولُ أَحَدِ الْمُعَاوِضَيْنِ عَلَى مَقْصُودِهِ دُونَ الْآخَرِ، فَأَحَدُهُمَا غَانِمٌ وَلَا بُدَّ، وَالْآخَرُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمَغْنَمِ وَالْمَغْرَمِ، وَأَمَّا الْمُزَارَعَةُ فَإِنْ حَصَلَ الزَّرْعُ اشْتَرَكَا فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ اشْتَرَكَا فِي الْحِرْمَانِ، فَلَا يَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا بِحُصُولِ مَقْصُودِهِ دُونَ الْآخَرِ، فَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ وَأَبْعَدُ عَنْ الظُّلْمِ وَالْغَرَرِ مِنْ الْإِجَارَةِ.
[الْأَصْلُ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ الْعَدْلُ]
وَالْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا إنَّمَا هُوَ الْعَدْلُ الَّذِي بُعِثَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَأُنْزِلَتْ بِهِ الْكُتُبُ، قَالَ - تَعَالَى -: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25] وَالشَّارِعُ نَهَى عَنْ الرِّبَا لِمَا فِيهِ مِنْ الظُّلْمِ، وَعَنْ الْمَيْسِرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الظُّلْمِ، وَالْقُرْآنُ جَاءَ بِتَحْرِيمِ هَذَا وَهَذَا، وَكِلَاهُمَا أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَمَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُعَامَلَاتِ - كَبَيْعِ الْغَرَرِ، وَبَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، وَبَيْعِ السِّنِينَ، وَبَيْعِ حَبَلِ الْحُبْلَةِ، وَبَيْعِ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ، وَبَيْعِ الْحَصَاةِ، وَبَيْعِ الْمَلَاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ - هِيَ دَاخِلَةٌ إمَّا فِي الرِّبَا وَإِمَّا فِي الْمَيْسِرِ، فَالْإِجَارَةُ بِالْأُجْرَةِ الْمَجْهُولَةِ مِثْلُ أَنْ يُكْرِيَهُ الدَّارَ بِمَا

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 292
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست