responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 220
فَقُلْتُمْ: يَصِحُّ أَحَدُهُمَا بِلَا نِيَّةٍ دُونَ الْآخَرِ، وَجَمَعْتُمْ بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا مِنْ الشُّعُورِ وَالْأَعْضَاءِ فَنَجَّسْتُمْ كِلَيْهِمَا بِالْمَوْتِ، وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ فَنَجَّسْتُمْ مِنْهَا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ دُونَ سَائِرِهَا، وَجَمَعْتُمْ بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَهُوَ النَّاسِي وَالْعَامِدُ وَالْمُخْطِئُ وَالذَّاكِرُ وَالْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ، فَإِنَّهُ - سُبْحَانَهُ - فَرَّقَ بَيْنَهُمْ فِي الْإِثْمِ فَجَمَعْتُمْ بَيْنَهُمْ فِي الْحُكْمِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ، كَمَنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا.
وَكَمَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا، وَكَمَنْ تَطَيَّبَ فِي إحْرَامِهِ أَوْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ أَوْ حَلَقَ شَعْرَهُ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا فَسَوَّيْتُمْ بَيْنَهُمَا، وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُ مِنْ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي فَأَوْجَبْتُمْ الْقَضَاءَ عَلَى مَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ جَاهِلًا بِبَقَاءِ النَّهَارِ دُونَ النَّاسِي، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ، وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُ مِنْ عُقُودِ الْإِجَارَاتِ كَاسْتِئْجَارِ الرَّجُلِ لِطَحْنِ الْحَبِّ بِنِصْفِ كُرٍّ مِنْ دَقِيقٍ وَاسْتِئْجَارِهِ لِطَحْنِهِ بِنِصْفِ كُرٍّ مِنْهُ فَصَحَّحْتُمْ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِيَ، مَعَ اسْتِوَائِهِمَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ.
وَفَرَّقْتُمْ بِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْأَوَّلِ فِي الْعِوَضِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ بِهِ لَيْسَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ، وَفِي الثَّانِي الْعَمَلُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مُسْتَحَقًّا لَهُ وَعَلَيْهِ، وَهَذَا فَرْقٌ صُورِيٌّ لَا تَأْثِيرَ لَهُ وَلَا تَتَعَلَّقُ بِوُجُودِهِ مَفْسَدَةٌ قَطُّ، لَا جَهَالَةَ وَلَا رِبَا وَلَا غَرَرَ وَلَا تَنَازُعَ وَلَا هِيَ مِمَّا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ بِوَجْهٍ، وَأَيُّ غَرَرٍ أَوْ مَفْسَدَةٍ أَوْ مَضَرَّةٍ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ غَزْلَهُ يَنْسِجُهُ ثَوْبًا بِرُبُعِهِ وَزَيْتُونَهُ يَعْصِرُهُ زَيْتًا بِرُبُعِهِ وَحَبَّهُ يَطْحَنُهُ بِرُبُعِهِ؟ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَصْلَحَةٌ مَحْضَةٌ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا تَتِمُّ مَصْلَحَتُهُمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ إلَّا بِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ يَمْلِكُ عِوَضًا يَسْتَأْجِرُ بِهِ مَنْ يَعْمَلُ لَهُ ذَلِكَ، وَالْأَجِيرُ مُحْتَاجٌ إلَى جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَالْمُسْتَأْجِرُ مُحْتَاجٌ إلَى الْعَمَلِ، وَقَدْ تَرَاضَيَا بِذَلِكَ.
وَلَمْ يَأْتِ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ نَصٌّ يَمْنَعُهُ، وَلَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا مَصْلَحَةٌ مُعْتَبَرَةٌ وَلَا مُرْسَلَةٌ، فَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُ، وَجَمَعْتُمْ بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ، فَقُلْتُمْ: لَوْ اشْتَرَى عِنَبًا لِيَعْصِرَهُ خَمْرًا أَوْ سِلَاحًا لِيَقْتُلَ بِهِ مُسْلِمًا وَنَحْوَ ذَلِكَ إنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ، وَهُوَ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ لِيَقْتُلَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَيُجَاهِدَ بِهِ فِي سَبِيلِهِ أَوْ اشْتَرَى عِنَبًا لِيَأْكُلَهُ، كِلَاهُمَا سَوَاءٌ فِي الصِّحَّةِ، وَجَمَعْتُمْ بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ فَقُلْتُمْ: لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا لِيَتَّخِذَهَا كَنِيسَةً يُعْبَدَ فِيهَا الصَّلِيبُ وَالنَّارُ جَازَ لَهُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَسْكُنَهَا، ثُمَّ نَاقَضْتُمْ أَعْظَمَ مُنَاقَضَةٍ فَقُلْتُمْ: لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَتَّخِذَهَا مَسْجِدًا لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ.
وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُ فَقُلْتُمْ: لَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا بِطَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ لَمْ يَجُزْ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ اسْتِئْجَارِهِ بِطَعَامٍ مُسَمًّى وَثِيَابٍ مُعَيَّنَةٍ، وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ يُؤَجِّرُ أَحَدُهُمْ نَفْسَهُ فِي السَّفَرِ وَالْغَزْوِ بِطَعَامِ بَطْنِهِ وَمَرْكُوبِهِ، وَهُمْ أَفْقَهُ الْأُمَّةِ، وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُ مِنْ عَقْدَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِيهِمَا بِالتَّرَاضِي، وَعَلِمَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - تَرَاضِيَهُمَا

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 220
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست