responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 202
بَعْضَ مَا يَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ لَا يُوجِبُ نَسْخَ جَمِيعِ مَا يَتَنَاوَلُهُ كَالْعَامِّ إذَا خُصَّ بَعْضُ أَفْرَادِهِ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ تَخْصِيصَ غَيْرِهِ؛ فَإِذَا كَانَ حُكْمُ الْأَصْلِ قَدْ دَلَّ عَلَى شَيْئَيْنِ فَارْتَفَعَ أَحَدُهُمَا فَمَا الْمُوجِبُ لِارْتِفَاعِ الثَّانِي؟ وَإِنْ قُلْتُمْ " يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ وَيَرْتَفِعُ بِالْقِيَاسِ " قِيلَ: إنَّمَا أَثْبَتُّمُوهُ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ عِنْدَكُمْ، وَالْعِلَّةُ لَمْ تَزُلْ بِالنَّسْخِ، وَهِيَ سَبَبُ ثُبُوتِهِ، وَمَا دَامَ السَّبَبُ قَائِمًا فَالْمُسَبِّبُ كَذَلِكَ، وَلَوْ زَالَتْ الْعِلَّةُ بِالنَّسْخِ لَأَمْكَنَ تَصْحِيحُ قَوْلِكُمْ.
فَإِنْ قُلْتُمْ: نَسْخُ حُكْمِ الْأَصْلِ يَقْتَضِي نَسْخَ كَوْنِ الْعِلَّةِ عِلَّةً.
قِيلَ: هَذِهِ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، فَإِنَّ النَّصَّ اقْتَضَى ثُبُوتَ حُكْمِ الْأَصْلِ، وَكَوْنُ وَصْفِ كَذَا عِلَّةَ مُقْتَضَى التَّعْدِيَةِ عَلَى قَوْلِكُمْ، فَهُمَا حُكْمَانِ مُتَغَايِرَانِ؛ فَزَوَالُ أَحَدِهِمَا لَا يَسْتَلْزِمُ زَوَالَ الْآخَرِ.
قَالُوا: وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ مِنْ الدِّينِ لَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمَّتِهِ: " إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ أَوْ نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَقِيسُوا عَلَيْهِ مَا كَانَ مِثْلَهُ أَوْ شِبْهَهُ " وَلَكَانَ هَذَا أَكْثَرَ شَيْءٍ فِي كَلَامِهِ، وَطُرُقُ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهِ مُتَنَوِّعَةٌ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ غُلَاةِ الْقِيَاسِيِّينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ النُّصُوصَ لَا تَفِي بِعُشْرِ مِعْشَارِ الْحَوَادِثِ، وَعَلَى قَوْلِ هَذَا الْغَالِي الْجَافِي عَنْ النُّصُوصِ فَالْحَاجَةُ إلَى الْقِيَاسِ أَعْظَمُ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى النُّصُوصِ، فَهَلَّا جَاءَتْ الْوَصِيَّةُ بِاتِّبَاعِهِ وَمُرَاعَاتِهِ، وَالْوَصِيَّةُ بِحِفْظِ حُدُودِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَأَنْ لَا تُتَعَدَّى.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - حَدَّ لِعِبَادِهِ حُدُودَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ بِكَلَامِهِ، وَذَمَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَاَلَّذِي أَنْزَلَهُ هُوَ كَلَامُهُ، فَحُدُودُ مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ هُوَ الْوُقُوفُ عِنْدَ حَدِّ الِاسْمِ الَّذِي عَلَّقَ عَلَيْهِ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ، فَإِنَّهُ هُوَ الْمُنَزِّلُ عَلَى رَسُولِهِ وَحْدَهُ بِمَا وُضِعَ لَهُ لُغَةً أَوْ شَرْعًا، بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ غَيْرُ مَوْضُوعِهِ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ مَوْضُوعِهِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ حَدَّ الْبُرِّ لَا يَتَنَاوَلُ الْخَرْدَلَ، وَحَدَّ التَّمْرِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْبَلُّوطُ، وَحَدَّ الذَّهَبِ لَا يَتَنَاوَلُ الْقُطْنَ؛ وَلَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ أَنَّ حَدَّ الشَّيْءِ مَا يَمْنَعُ دُخُولَ غَيْرِهِ فِيهِ، وَيَمْنَعُ خُرُوجَ بَعْضِهِ مِنْهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ هَذَا وَأَعَدْنَاهُ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَإِنَّ أَعْلَمَ الْخَلْقِ بِالدِّينِ أَعْلَمُهُمْ بِحُدُودِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي عُلِّقَ بِهَا الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ.
وَالْأَسْمَاءُ الَّتِي لَهَا حُدُودٌ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ لَهُ حَدٌّ فِي اللُّغَةِ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَمَنْ حَمَلَ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ عَلَى غَيْرِ مُسَمَّاهَا أَوْ خَصَّهَا بِبَعْضِهِ أَوْ أَخْرَجَ مِنْهَا بَعْضَهُ فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَهَا.
وَنَوْعٌ لَهُ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالتَّقْوَى وَنَظَائِرِهَا، فَحُكْمُهَا فِي تَنَاوُلِهَا لِمُسَمَّيَاتِهَا الشَّرْعِيَّةِ كَحُكْمِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فِي تَنَاوُلِهِ لِمُسَمَّاهُ اللُّغَوِيِّ.
وَنَوْعٌ لَهُ حَدٌّ فِي الْعُرْفِ لَمْ يَحُدَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 202
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست