responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 186
وَهُوَ الْإِبَاحَةُ الْعَامَّةُ وَرَفْعُ الْحَرَجِ عَنْ فَاعِلِهِ، فَقَدْ اسْتَوْعَبَ الْحَدِيثُ أَقْسَامَ الدِّينِ كُلَّهَا، فَإِنَّهَا إمَّا وَاجِبٌ وَإِمَّا حَرَامٌ وَإِمَّا مُبَاحٌ؛ وَالْمَكْرُوهُ وَالْمُسْتَحَبُّ فَرْعَانِ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ غَيْرُ خَارِجَيْنِ عَنْ الْمُبَاحِ؛ وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18] {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19] ، فَوَكَلَ بَيَانَهُ إلَيْهِ - سُبْحَانَهُ - لَا إلَى الْقَيَّاسِينَ والأرائيين، وَقَالَ - تَعَالَى -: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: 59] ، فَقَسَّمَ الْحُكْمَ إلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٍ أَذِنَ فِيهِ وَهُوَ الْحَقُّ وَقِسْمٍ اُفْتُرِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، فَأَيْنَ أَذِنَ لَنَا أَنْ نَقِيسَ الْبَلُّوطَ عَلَى التَّمْرِ فِي جَرَيَانِ الرِّبَا فِيهِ؟ وَأَنْ نَقِيسَ الْقَصْدِيرَ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالْخَرْدَلَ عَلَى الْبُرِّ؟ فَإِنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَّانَا بِهَذَا فَسَمْعًا وَطَاعَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِلَّا فَإِنَّا قَائِلُونَ لِمُنَازِعِينَا: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا} [الأنعام: 144] فَمَا لَمْ تَأْتِنَا بِهِ وَصِيَّةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ عَيْنُ الْبَاطِلِ، وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ بِرَدِّ مَا تَنَازَعْنَا فِيهِ إلَيْهِ وَإِلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَلَمْ يُبِحْ لَنَا قَطُّ أَنْ نَرُدَّ ذَلِكَ إلَى رَأْيٍ وَلَا قِيَاسٍ وَلَا تَقْلِيدِ إمَامٍ وَلَا مَنَامٍ وَلَا كُشُوفٍ وَلَا إلْهَامٍ وَلَا حَدِيثِ قَلْبٍ وَلَا اسْتِحْسَانٍ وَلَا مَعْقُولٍ وَلَا شَرِيعَةِ الدِّيوَانِ وَلَا سِيَاسَةِ الْمُلُوكِ، وَلَا عَوَائِدِ النَّاسِ الَّتِي لَيْسَ عَلَى شَرَائِعِ الْمُسْلِمِينَ أَضَرُّ مِنْهَا، فَكُلُّ هَذِهِ طَوَاغِيتُ، مَنْ تَحَاكَمَ إلَيْهَا أَوْ دَعَا مُنَازِعَهُ إلَى التَّحَاكُمِ إلَيْهَا فَقَدْ حَاكَمَ إلَى الطَّاغُوتِ.
وَقَالَ - تَعَالَى -: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 74] ، قَالُوا: وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذِهِ الْآيَةَ حَقَّ التَّأَمُّلِ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا نَصٌّ عَلَى إبْطَالِ الْقِيَاسِ وَتَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ كُلَّهُ ضَرْبُ الْأَمْثَالِ لِلدَّيْنِ، وَتَمْثِيلُ مَا لَا نَصَّ فِيهِ بِمَا فِيهِ نَصٌّ، وَمَنْ مَثَّلَ مَا لَمْ يَنُصَّ اللَّهُ عَلَى تَحْرِيمِهِ أَوْ إيجَابِهِ بِمَا حَرَّمَهُ أَوْ أَوْجَبَهُ فَقَدْ ضَرَبَ لِلَّهِ الْأَمْثَالَ، وَلَوْ عَلِمَ - سُبْحَانَهُ - أَنَّ الَّذِي سَكَتَ عَنْهُ مِثْلُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ لَأَعْلَمَنَا بِهِ، وَلَمَا أَغْفَلَهُ - سُبْحَانَهُ - {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] ، وَلْيُبَيِّنْ لَنَا مَا نَتَّقِي كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ إذْ يَقُولُ - سُبْحَانَهُ -: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115] وَلَمَّا وَكَلَهُ إلَى آرَائِنَا وَمَقَايِيسِنَا الَّتِي يَنْقُضُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَهَذَا يَقِيسُ مَا يَذْهَبُ إلَيْهِ عَلَى مَا يَزْعُمُ أَنَّهُ نَظِيرُهُ فَيَجِيءُ مُنَازِعُهُ فَيَقِيسُ ضِدَّ قِيَاسِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَيُبْدِي مِنْ الْوَصْفِ الْجَامِعِ مِثْلَ مَا أَبْدَاهُ مُنَازِعُوهُ أَوْ أَظْهَرَ مِنْهُ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسَانِ مَعًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، فَلَيْسَا مِنْ عِنْدِهِ، وَهَذَا وَحْدَهُ كَافٍ فِي إبْطَالِ الْقِيَاسِ.
وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4] ، وَقَالَ: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] ، فَكُلُّ مَا بَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَنْ رَبِّهِ - سُبْحَانَهُ - بَيَّنَهُ بِأَمْرِهِ وَإِذْنِهِ، وَقَدْ عَلِمْنَا يَقِينًا وُقُوعَ كُلِّ اسْمٍ فِي اللُّغَةِ عَلَى مُسَمَّاهُ فِيهَا، وَأَنَّ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 186
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست