responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 159
وَمِنْ هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» ، فَلَوْ ذَهَبَ مَعَهُ بِخِرْقَةٍ وَتَنَظَّفَ أَكْثَرَ مِنْ الْأَحْجَارِ أَوْ قُطْنٌ أَوْ صُوفٌ أَوْ خَزٌّ وَنَحْوُ ذَلِكَ جَازَ، وَلَيْسَ لِلشَّارِعِ غَرَضٌ فِي غَيْرِ التَّنْظِيفِ وَالْإِزَالَةِ، فَمَا كَانَ أَبْلَغَ فِي ذَلِكَ كَانَ مِثْلَ الْأَحْجَارِ فِي الْجَوَازِ [بَلْ] أَوْلَى.
وَمِنْ ذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ أَوْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَتِهِ» ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ الَّتِي نَهَى عَنْهَا فِي الْبَيْعِ وَالْخِطْبَةِ مَوْجُودَةٌ فِي الْإِجَارَةِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ عَلَى إجَارَتِهِ، وَإِنْ قُدِّرَ دُخُولُ الْإِجَارَةِ فِي لَفْظِ الْبَيْعِ الْعَامِّ، وَهُوَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ، فَحَقِيقَتُهَا غَيْرُ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ، وَأَحْكَامُهَا غَيْرُ أَحْكَامِهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ - سُبْحَانَهُ - فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] . فَأَلْحَقَتْ الْأُمَّةُ أَنْوَاعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ عَلَى اخْتِلَافِهَا فِي نَقْضِهَا الْغَائِطَ، وَالْآيَةُ لَمْ تَنُصَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ إلَّا عَلَيْهِ وَعَلَى اللَّمْسِ عَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَهُ بِمَا دُونَ الْجِمَاعِ، وَأَلْحَقَتْ الِاحْتِلَامَ بِمُلَامَسَةِ النِّسَاءِ، وَأَلْحَقَتْ وَاجِدَ ثَمَنِ الْمَاءِ بِوَاجِدِهِ، وَأَلْحَقَتْ مَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ بَهَائِمِهِ مِنْ الْعَطَشِ إذَا تَوَضَّأَ بِالْعَادِمِ؛ فَجَوَّزَتْ لَهُ التَّيَمُّمَ وَهُوَ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ، وَأَلْحَقَتْ مَنْ خَشِيَ الْمَرَضَ وَأَمْثَالَهَا فِي الْعُمُومَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ الَّتِي لَا يَسْتَرِيبُ مَنْ لَهُ فَهْمٌ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي قَصْدِ عُمُومِهَا. وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِهِ وَكَوْنُهُ مُتَعَلِّقًا بِمَصْلَحَةِ الْعَبْدِ أَوْلَى مِنْ إدْخَالِهَا فِي عُمُومَاتٍ لَفْظِيَّةٍ بَعِيدَةِ التَّنَاوُلِ لَهَا لَيْسَتْ بِحُرِّيَّةِ الْفَهْمِ مِمَّا لَا يُنْكِرُ تَنَاوُلَ الْعُمُومَيْنِ لَهَا؛ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَنَبَّهُ لِهَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَنَبَّهُ لِهَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَفَطَّنُ لِتَنَاوُلِ الْعُمُومَيْنِ لَهَا.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] . وَقَاسَتْ الْأُمَّةُ الرَّهْنَ فِي الْحَضَرِ عَلَى الرَّهْنِ فِي السَّفَرِ، وَالرَّهْنَ مَعَ وُجُودِ الْكَاتِبِ عَلَى الرَّهْنِ مَعَ عَدَمِهِ، فَإِنْ اُسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَهَنَ دِرْعَهُ فِي الْحَضَرِ؛ فَلَا عُمُومَ فِي ذَلِكَ؛ فَإِنَّمَا رَهَنَهَا عَلَى شَعِيرٍ اسْتَقْرَضَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْقِيَاسِ إمَّا عَلَى الْآيَةِ وَإِمَّا عَلَى السُّنَّةِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ لَمَّا بَاعَ خَمْرَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَخَذَهُ فِي الْعُشُورِ الَّتِي عَلَيْهِمْ فَبَلَغَ عُمَرَ فَقَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ سَمُرَةَ، أَمَا عَلِمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا وَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا» ، وَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ فَإِنَّ تَحْرِيمَ الشُّحُومِ عَلَى الْيَهُودِ كَتَحْرِيمِ الْخَمْرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَمَا يَحْرُمُ ثَمَنُ الشُّحُومِ الْمُحَرَّمَةِ فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ ثَمَنُ الْخَمْرِ الْحَرَامِ.

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 159
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست