responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 136
وَتَحْتَ قَوْلِهِ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] كَنْزٌ عَظِيمٌ مَنْ وُفِّقَ لِمَظِنَّتِهِ وَأَحْسَنَ اسْتِخْرَاجَهُ وَاقْتِنَاءَهُ وَأَنْفَقَ مِنْهُ فَقَدْ غَنِمَ، وَمَنْ حُرِمَهُ فَقَدْ حُرِمَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ تَثْبِيتِ اللَّهِ لَهُ طُرْفَةَ عَيْنٍ فَإِنْ لَمْ يُثَبِّتْهُ وَإِلَّا زَالَتْ سَمَاءُ إيمَانِهِ وَأَرْضِهِ عَنْ مَكَانِهِمَا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لِأَكْرَمِ خَلْقِهِ عَلَيْهِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا} [الإسراء: 74] وَقَالَ تَعَالَى لِأَكْرَمِ خَلْقِهِ: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال: 12] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: «وَهُوَ يَسْأَلُهُمْ وَيُثَبِّتُهُمْ» وَقَالَ تَعَالَى لِرَسُولِهِ: {وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود: 120] فَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ قِسْمَانِ: مُوَفَّقٌ بِالتَّثْبِيتِ، وَمَخْذُولٌ بِتَرْكِ التَّثْبِيتِ، وَمَادَّةُ التَّثْبِيتِ أَصْلُهُ وَمَنْشَؤُهُ مِنْ الْقَوْلِ الثَّابِتِ وَفِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ الْعَبْدُ، فَبِهِمَا يُثَبِّتُ اللَّهُ عَبْدَهُ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَثْبَتَ قَوْلًا وَأَحْسَنَ فِعْلًا كَانَ أَعْظَمَ تَثْبِيتًا، قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66] فَأَثْبَتُ النَّاسِ قَلْبًا أَثْبَتُهُمْ قَوْلًا، وَالْقَوْلُ الثَّابِتُ هُوَ الْقَوْلُ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ، وَهُوَ ضِدُّ الْقَوْلِ الْبَاطِلِ الْكَذِبِ؛ فَالْقَوْلُ نَوْعَانِ: ثَابِتٌ لَهُ حَقِيقَةٌ، وَبَاطِلٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَأَثْبَتُ الْقَوْلِ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ وَلَوَازِمُهَا، فَهِيَ أَعْظَمُ مَا يُثَبِّتُ اللَّهُ بِهَا عَبْدَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَلِهَذَا تَرَى الصَّادِقَ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ وَأَشْجَعِهِمْ قَلْبًا، وَالْكَاذِبَ مِنْ أَمْهَنِ النَّاسِ وَأَخْبَثِهِمْ وَأَكْثَرِهِمْ تَلَوُّثًا وَأَقَلِّهِمْ ثَبَاتًا، وَأَهْلُ الْفِرَاسَةِ يَعْرِفُونَ صِدْقَ الصَّادِقِ مِنْ ثَبَاتِ قَلْبِهِ وَقْتَ الْإِخْبَارِ وَشَجَاعَتِهِ وَمَهَابَتِهِ، وَيَعْرِفُونَ كَذِبَ الْكَاذِبِ بِضِدِّ ذَلِكَ؛ وَلَا يَخْفَى ذَلِكَ إلَّا عَلَى ضَعِيفِ الْبَصِيرَةِ.
وَسُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ كَلَامٍ سَمِعَهُ مِنْ مُتَكَلِّمٍ بِهِ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا فَهِمْت مِنْهُ شَيْئًا، إلَّا أَنِّي رَأَيْت لِكَلَامِهِ صَوْلَةً لَيْسَتْ بِصَوْلَةِ مُبْطِلٍ، فَمَا مُنِحَ الْعَبْدُ مِنْحَةً أَفْضَلَ مِنْ مِنْحَةِ الْقَوْلِ الثَّابِتِ، وَيَجِدُ أَهْلُ الْقَوْلِ الثَّابِتِ ثَمَرَتَهُ أَحْوَجَ مَا يَكُونُونَ إلَيْهِ فِي قُبُورِهِمْ وَيَوْمَ مَعَادِهِمْ، كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ» .

[سُؤَالُ الْقَبْرِ وَالتَّثْبِيتُ فِيهِ] وَقَدْ جَاءَ هَذَا مُبَيَّنًا فِي أَحَادِيثَ صِحَاحٍ؛ فَمِنْهَا مَا فِي الْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِنَازَةٍ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَإِذَا الْإِنْسَانُ دُفِنَ وَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ جَاءَهُ مَلَكٌ بِيَدِهِ مِطْرَاقٌ فَأَقْعَدَهُ فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ لَهُ: صَدَقْت، فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إلَى النَّارِ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 136
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست