responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 126
مُسْتَقِيمٍ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ حَثَّهُ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ مِنْ جُمْلَةِ كَوْنِهِ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فَقَدْ أَصَابُوا.
وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى: مَعْنَى كَوْنِهِ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أَنَّ مَرَدَّ الْعِبَادِ وَالْأُمُورِ كُلِّهَا إلَى اللَّهِ لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِنْهَا، وَهَؤُلَاءِ إنْ أَرَادُوا أَنَّ هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ هَذَا مِنْ لَوَازِمِ كَوْنِهِ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَمِنْ مُقْتَضَاهُ وَمُوجِبِهِ فَهُوَ حَقٌّ.
وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى: مَعْنَاهُ كُلُّ شَيْءٍ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَقَهْرِهِ وَفِي مِلْكِهِ وَقَبْضَتِهِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ حَقًّا فَلَيْسَ هُوَ مَعْنَى الْآيَةِ، وَقَدْ فَرَّقَ شُعَيْبٌ بَيْنَ قَوْلِهِ: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود: 56] وَبَيْنَ قَوْلِهِ: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: 56] فَهُمَا مَعْنَيَانِ مُسْتَقِلَّانِ
فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ، وَلَا تَحْتَمِلُ الْعَرَبِيَّةُ غَيْرَهُ إلَّا عَلَى اسْتِكْرَاهٍ؛ وَقَالَ جَرِيرٌ يَمْدَحُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ:
أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِرَاطٍ ... إذَا اعْوَجَّ الْمَوَارِدُ مُسْتَقِيمِ
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام: 39] وَإِذَا كَانَ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ رُسُلَهُ وَأَتْبَاعَهُمْ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ فَهُوَ سُبْحَانَهُ أَحَقُّ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، وَإِنْ كَانَ صِرَاطُ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ هُوَ مُوَافَقَةُ أَمْرِهِ؛ فَصِرَاطُهُ الَّذِي هُوَ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ هُوَ مَا يَقْتَضِيهِ حَمْدُهُ وَكَمَالُهُ وَمَجْدُهُ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ وَفِعْلِهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
فَصْلٌ
وَفِي الْآيَةِ قَوْلٌ ثَانٍ مِثْلُ الْآيَةِ الْأُولَى سَوَاءٌ، أَنَّهُ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي هَذَا الْقَوْلِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
فَصْلٌ
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى فِي تَشْبِيهِ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ كَلَامِهِ وَتَدَبُّرِهِ: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} [المدثر: 49] {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ} [المدثر: 50] {فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر: 51] شَبَّهَهُمْ فِي إعْرَاضِهِمْ وَنُفُورِهِمْ عَنْ الْقُرْآنِ بِحُمُرٍ رَأَتْ الْأَسَدَ أَوْ الرُّمَاةَ فَفَرَّتْ مِنْهُ، وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ الْقِيَاسِ وَالتَّمْثِيلِ، فَإِنَّ الْقَوْمَ فِي جَهْلِهِمْ بِمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ كَالْحُمُرِ، وَهِيَ لَا تَعْقِلُ شَيْئًا، فَإِذَا سَمِعَتْ صَوْتَ الْأَسَدِ أَوْ الرَّمْيِ نَفَرَتْ مِنْهُ أَشَدَّ النُّفُورِ، وَهَذَا غَايَةُ الذَّمِّ لِهَؤُلَاءِ، فَإِنَّهُمْ نَفَرُوا عَنْ الْهُدَى الَّذِي فِيهِ سَعَادَتُهُمْ وَحَيَاتُهُمْ كَنُفُورِ الْحُمُرِ عَنْ مَا يُهْلِكُهَا وَيَعْقِرُهَا، وَتَحْتَ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 126
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست