responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 6  صفحه : 367
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 51] وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي ضَلَّ بِهِ جَهْمٌ وَشِيعَتُهُ، حَيْثُ زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَى وَلَا يُحِسُّ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْحَوَاسِّ، كَمَا أَجَابَ إمَامُهُمْ الْأَوَّلُ لِلسُّمَنِيَّةِ بِإِمْكَانِ وُجُودِ مَوْجُودٍ لَا يُمْكِنُ إحْسَاسُهُ.
وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ قَاطِبَةً مُتَكَلِّمُوهُمْ وَغَيْرُ مُتَكَلِّمِيهِمْ، عَلَى نَقْضِ هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي بَنَاهُ الْجَهْمِيَّةُ، وَأَثْبَتُوا مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، مِنْ أَنَّ اللَّهَ يُرَى وَيُسْمَعُ كَلَامُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَأَثْبَتُوا أَيْضًا بِالْمَقَايِيسِ الْعَقْلِيَّةِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ يَجُوزُ تَعَلُّقُهَا بِكُلِّ مَوْجُودٍ، فَيَصِحُّ إحْسَاسُ كُلِّ مَوْجُودٍ، فَمَا لَا يُمْكِنُ إحْسَاسُهُ يَكُونُ مَعْدُومًا، وَمِنْهُمْ مَنْ طَرَدَ ذَلِكَ فِي اللَّمْسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ طَرَدَهُ فِي سَائِرِ الْحَوَاسِّ. كَمَا فَعَلَهُ طَائِفَةٌ مِنْ مُتَكَلِّمَةِ الصَّفَائِيَّةِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ أُولَئِكَ الْمُشْرِكِينَ الْمُنَاظِرِينَ قَالُوا كَلَامًا مُجْمَلًا فَجَعَلُوا الْخَاصَّ عَامًّا، وَالْمَعْنَى مُطْلَقًا، حَيْثُ قَالُوا: أَنْتَ لَمْ تُحِسُّهُ وَمَا لَمْ تُحِسُّهُ أَنْتَ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا وَالْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ بَاطِلَةٌ لَكِنْ مَوَّهُوهَا بِالْمَعْنَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ أَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ إحْسَاسُهُ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا فَنَاظَرَهُمْ الْمُنَاظِرُونَ مِنْ الصَّائِبَةِ وَالْمُقْتَدِي بِهِمْ جَهْمٌ وَأَصْحَابُهُ بِحَالٍ فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ حَتَّى نَكَّرُوا الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ مَوَّهُوهُ بِالْبَاطِلِ وَزَعَمَ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَوْجُودَ مَا لَا يُمْكِنُ إحْسَاسُهُ بِحَالٍ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لِشَيْءٍ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ وَزَعَمُوا أَنَّ الرُّوحَ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَخَذُوا هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ الْبَاطِلَةَ الَّتِي نَازَعُوا فِيهَا أُولَئِكَ الْمُشْرِكِينَ فَنَازَعُوا فِيهَا إخْوَانَهُمْ الْمُؤْمِنِينَ، فَصَارُوا مُجَادِلِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِمِثْلِ مَا جَادَلُوا بِهِ الْمُشْرِكِينَ، كَمَنْ قَاتَلَ الْمُشْرِكِينَ زَعْمًا مِنْهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُقَاتِلْ ذَلِكَ الْقِتَالَ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ كَمَا زَعَمَ هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ إنْ لَمْ يُنَاظِرُوا الْمُشْرِكِينَ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةَ اسْتَعْلَى عَلَيْهِمْ الْمُشْرِكُونَ وَانْقَطَعَتْ حُجَّةُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْمُنَاظَرَةِ، وَصَارُوا عَاجِزِينَ فِي النَّظَرِ وَالْمُنَاظَرَةِ إذْ لَمْ يَجِدُوا بِزَعْمِهِمْ طَرِيقًا إلَّا هَذِهِ الطَّرِيقَ الْمُبْتَدَعَةَ الَّتِي أَحْدَثُوهَا الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى حَقٍّ وَبَاطِلٍ الْمُتَضَمَّنَةَ لِجِدَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ كَمَا أَنَّ أُولَئِكَ الْمُقَاتِلِينَ لَمْ يَجِدُوا بِزَعْمِهِمْ قِتَالًا إلَّا هَذَا الْقِتَالَ الْمُبْتَدَعَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَلَفْظُ الْإِحْسَاسِ عَامٌّ يُسْتَعْمَلُ فِي الرُّؤْيَةِ

نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 6  صفحه : 367
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست