responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 6  صفحه : 36
جَامِدًا، أَوْ مَائِعًا، وَبَدَلُ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَهُ وَيَسُدُّ مَسَدَّهُ، فَإِذَا حَرَّمَ اللَّهُ الِانْتِفَاعَ بِشَيْءٍ حَرَّمَ الِاعْتِيَاضَ عَنْ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ، وَلِهَذَا مَا أُبِيحَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا لِمَنْفَعَةِ الظَّهْرِ الْمُبَاحَةِ لَا لِمَنْفَعَةِ اللَّحْمِ الْمُحَرَّمِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا» .
فَإِنَّ اللَّهَ إذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ الْمُقَابِلَ لِمَنْفَعَةِ الْأَكْلِ، فَأَمَّا إنْ كَانَتْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ أُخْرَى وَكَانَ الثَّمَنُ فِي مُقَابِلِهَا لَمْ يَدْخُلْ فِي هَذَا.
إذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّحْرِيمُ مُعَلَّقًا بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ وَبِظَاهِرٍ مِنْ الْقَوْلِ دُونَ رِعَايَةٍ لِمَقْصُودِ الشَّيْءِ الْمُحَرَّمِ، وَمَعْنَاهُ وَحَقِيقَتِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْيَهُودُ اللَّعْنَةَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الشَّحْمَ خَرَجَ بِتَجْمِيلِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ شَحْمًا وَصَارَ وَدَكًا، كَمَا يَخْرُجُ الرِّبَا بِالِاحْتِيَالِ فِيهِ عَنْ لَفْظِ الرِّبَا إلَى أَنْ يَصِيرَ بَيْعًا عِنْدَ مَنْ يَسْتَحِلُّ ذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ أَلْفًا بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ إلَى أَجَلٍ فَأَعْطَاهُ حَرِيرَةً بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ، ثُمَّ أَخَذَهَا بِأَلْفٍ حَالَّةٍ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ مَعْنَى مَنْ أَعْطَى أَلْفًا بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَقْصُودُ إلَّا مَا بَيْنَ الشَّحْمِ وَالْوَدَكِ.
الثَّانِي: أَنَّهُمْ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِعَيْنِ الشَّحْمِ، وَإِنَّمَا انْتَفَعُوا بِالثَّمَنِ، فَيَلْزَمُ مَنْ رَاعَى مُجَرَّدَ الْأَلْفَاظِ وَالظَّوَاهِرِ دُونَ الْمَقَاصِدِ وَالْحَقَائِقِ أَنْ لَا يُحَرِّمَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - حَرَّمَ الثَّمَنَ تَحْرِيمًا غَيْرَ تَحْرِيمِ الشَّحْمِ، فَلَمَّا لَعَنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَهُودَ عَلَى اسْتِحْلَالِهِمْ الْأَثْمَانَ مَعَ تَحْرِيمِ الْمُثَمَّنِ، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ لَهُمْ عَلَى تَحْرِيمِ الثَّمَنِ، عُلِمَ أَنَّ الْوَاجِبَ النَّظَرُ إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ تَحْرِيمَ الْعَيْنِ تَحْرِيمٌ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا، وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ لَا يُقْصَدَ الِانْتِفَاعُ بِهَا أَصْلًا، وَفِي أَخْذِ بَدَلِهَا أَكْثَرُ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَإِثْبَاتٌ لِخَاصَّةِ الْمَالِ، وَمَقْصُودِهِ فِيهَا، وَذَلِكَ مُنَافٍ لِلتَّحْرِيمِ وَصَارَ ذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ لِرَجُلٍ: لَا تَقْرَبْ مَالَ الْيَتِيمِ، فَيَبِيعُ وَيَأْخُذُ ثَمَنَهُ وَيَقُولُ: لَمْ أَقْرَبْ مَالَ الْيَتِيمِ، أَوْ كَرَجُلٍ قِيلَ لَهُ: لَا تَضْرِبْ زَيْدًا وَلَا تَمَسَّهُ بِأَذًى، فَجَعَلَ يَضْرِبُ عَلَى فَرْوَتِهِ الَّتِي قَدْ لَبِسَهَا، وَيَقُولُ: لَمْ أَضْرِبْهُ وَلَمْ أَمَسَّهُ، وَإِنَّمَا ضَرَبْت ثَوْبَهُ.

نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 6  صفحه : 36
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست