responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 6  صفحه : 206
قُلْت: لِأَنَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَحْرِيمًا مُطْلَقًا لَا يُبَاحُ إلَّا إذَا وُجِدَ سَبَبُ حِلِّهِ، وَجَهْلُ الْمُكَلَّفِ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْحِلِّ بَلْ غَايَتُهُ أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْعُذْرِ، وَأَمَّا مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ حِلًّا مُطْلَقًا فَقَدْ تَعْرِضُ لَهُ أَسْبَابُ تَحْرِيمِهِ، وَجَهْلُ الْمُكَلَّفِ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ فَإِنَّهُ مُنَاسِبٌ لَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ بِانْتِقَاءِ الضَّرَرِ الَّذِي انْعَقَدَ بِسَبَبِهِ أَوْ خِيفَ وُجُودُهُ مُنَاسِبٌ لِلْمَنْعِ مِنْ الْإِقْدَامِ شَرْعًا وَعَقْلًا وَعُرْفًا، فَإِنَّ الْمَرِيضَ يُمْنَعُ مَا يُخَافُ ضَرَرُهُ.
وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْجَهْلَ وَصْفُ نَقْصٍ فَتَرَتُّبُ التَّحْرِيمِ عَلَيْهِ مُلَائِمٌ، أَمَّا تَرَتُّبُ الْحِلِّ عَلَيْهِ فَغَيْرُ مُلَائِمٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَكُونُ سَبَبًا لِشَرْعِ التَّحْرِيمِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] وَيَكُونُ سَبَبًا لِلِابْتِلَاءِ بِوُجُودِ الْمُحَرَّمِ وَالْحَاجَةِ إلَيْهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قِصَّةُ أَصْحَابِ السَّبْتِ، وَلَا تَكُونُ الْمَعْصِيَةُ سَبَبًا لِلْحِلِّ مَعَ أَنِّي قَدْ بَيَّنْت أَنِّي إذَا قُلْت حَرَّمْنَا عَلَيْك فَمَعْنَاهُ حَرُمَ عَلَيْك الْمُخَاطَرَةُ وَالْإِقْدَامُ بِلَا عِلْمٍ، لَا أَنَّ نَفْسَ الْعَيْنِ مُحَرَّمَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ.
كَمَا لَوْ اشْتَبَهَ عَلَى الْمَرِيضِ الدَّاءُ بِالدَّوَاءِ فَإِنَّ أَهْلَهُ يَمْنَعُونَهُ مِنْهُمَا لَا لِأَنَّهُمَا دَاءَانِ مُضِرَّانِ بَلْ لِمَا فِي الْمُخَاطَرَةِ مِنْ مَفْسَدَةِ مُوَاقَعَةِ الضَّرَرِ، وَهَذَا الْوَصْفُ يَشْمَلُ الْعَيْنَيْنِ جَمِيعًا بِحَيْثُ لَوْ خَاطَرَ وَتَنَاوَلَ إحْدَاهُمَا فَكَانَتْ هِيَ الْحُرْمَةَ لَكَانَ عَلَيْهِ عُقُوبَةُ الْمُخَاطَرَةِ وَعُقُوبَةُ آكِلِ الْمَيْتَةِ وَلَوْ خَاطَرَ فَصَادَفَتْ مُخَاطَرَتُهُ الْمُبَاحَةَ لَمَا كَانَ عَلَيْهِ إلَّا عُقُوبَةُ الْمُخَاطَرَةِ فَقَطْ. لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إذَا صَادَفَ الْمَيْتَةَ فَإِنَّ حُرْمَةَ الْمُخَاطَرَةِ خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ فِي الْمَيْتَةِ فَإِذَا صَادَفَ الْمَيْتَةَ فَهُوَ الْمَحْذُورُ فَلَا يَبْقَى لِلْمُخَاطَرَةِ حُكْمٌ إذْ لَا حُكْمَ لِلْخَوْفِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَخُوفِ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بَلْ هُمَا ذَنْبَانِ لَهُمَا مَفْسَدَتَانِ فَإِنَّ الْمُخَاطَرَةَ تَفْتَحُ جِنْسَيْنِ مِنْ الشَّرِّ لَا تَخْتَصُّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّمَا يَحْسُنُ إطْلَاقُ الْإِنْكَارِ بِأَنَّ الْمُحَرَّمَ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ يَقُولُ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ نَصِيبٌ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْته مِنْ الشُّبْهَةِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي تَنْحَلُّ بِفَهْمِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَغَيْرِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَيْسَ يَعْتَقِدُ فِي الْبَاطِنِ حُكْمًا غَيْرَ الظَّاهِرِ، وَلَكِنْ مَنْ وَافَقَهُ فِي هَذَا الْإِنْكَارِ مِنْ الْمُوَحِّدِينَ لِلصَّوَابِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ لَمْ يَهْتَدُوا لِبَاطِنِ مَأْخَذِهِ الَّذِي يُبْطِلُ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ.
وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا كَوْنَ الْمُحَرَّمَةِ وَاحِدَةً بَاطِنًا وَظَاهِرًا. فَهَذَا قَرِيبٌ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ وَلَا يَتَّسِعُ هَذَا الْمَقَامُ لِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَتَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ يَقُولُ إنَّ التَّحْرِيمَ لَيْسَ ثَابِتًا لَا بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا وَبَيْنَ مَنْ يُثْبِتُهُ بَاطِنًا وَأَنَّ أُولَئِكَ الْأَقَلِّينَ يَقُولُونَ: الْبَلَاغُ شَرْطٌ فِي التَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأُمُورِ. فَعَدَمُهُ يَنْفِي

نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 6  صفحه : 206
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست