responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 5  صفحه : 59
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] .
وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ.
وَلَمْ يَمْدَحْ الْحِيرَةَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، وَلَكِنْ مَدَحَهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمَلَاحِدَةِ، كَصَاحِبِ الْفُصُوصِ ابْنِ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالِهِ مِنْ الْمَلَاحِدَةِ الَّذِينَ هُمْ حَيَارَى، فَمَدَحُوا الْحِيرَةَ وَجَعَلُوهَا أَفْضَلَ مِنْ الِاسْتِقَامَةِ، وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ أَكْمَلُ الْخَلْقِ، وَأَنَّ خَاتَمَ الْأَوْلِيَاءِ مِنْهُمْ يَكُونُ أَفْضَلَ فِي الْعِلْمِ بِاَللَّهِ مِنْ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ يَسْتَفِيدُونَ الْعِلْمَ بِاَللَّهِ مِنْهُمْ، وَكَانُوا فِي ذَلِكَ كَمَا يُقَالُ فِيمَنْ قَالَ: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 26] لَا عَقْلَ وَلَا قُرْآنَ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَقْدَمُ فَكَيْفَ يَسْتَفِيدُ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِ، وَهُمْ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَفْضَلُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ؟ فَخَرَجَ هَؤُلَاءِ عَنْ الْعَقْلِ وَالدِّينِ دِينِ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَهَؤُلَاءِ قَدْ بَسَطْنَا الرَّدَّ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلَهُمْ فِي وَحْدَةِ الْوُجُودِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ كَلَامٌ مِنْ شَرِّ كَلَامِ أَهْلِ الْإِلْحَادِ.
وَأَمَّا غَيْرُ هَؤُلَاءِ مِنْ الشُّيُوخِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الْحِيرَةَ، فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يُخْبِرُ عَنْ حِيرَتِهِ، فَهَذَا لَا يَقْتَضِي مَدْحَ الْحِيرَةِ، بَلْ الْحَائِرُ مَأْمُورٌ بِطَلَبِ الْهُدَى، كَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا أَنْ يَدْعُوَ يَقُولُ: يَا دَلِيلَ الْحَائِرِينَ دُلَّنِي عَلَى طَرِيقِ الصَّادِقِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِك الصَّالِحِينَ.
فَأَمَّا الَّذِي قَالَ: أَوَّلُ الْمَعْرِفَةِ الْحِيرَةُ وَآخِرُهَا الْحِيرَةُ، فَقَدْ يُرِيدُ ذَلِكَ مَعْنًى صَحِيحًا مِثْلَ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الطَّالِبَ السَّالِكَ يَكُونُ حَائِرًا قَبْلَ حُصُولِ الْمَعْرِفَةِ وَالْهُدَى، فَإِنَّ كُلَّ طَالِبٍ لِلْعِلْمِ وَالْهُدَى، هُوَ قَبْلَ حُصُولِ مَطْلُوبِهِ فِي نَوْعٍ مِنْ الْحِيرَةِ، وَقَوْلُهُ: " آخِرُهَا الْحِيرَةُ ".
وَقَدْ يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَزَالُ طَالِبَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ، فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَصِلُ إلَيْهِ حَائِرٌ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَدْحُ الْحِيرَةِ، وَلَكِنْ يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَعْتَرِيَ الْإِنْسَانَ نَوْعٌ مِنْ الْحِيرَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ مَعَهَا إلَى الْعِلْمِ وَالْهُدَى.
وَقَوْلُهُ: " وَالْحِيرَةُ مِنْ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا كَثْرَةُ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، وَالْآخَرُ شِدَّةُ الشَّرِّ وَحَذَرُ الْإِيَاسِ "، إخْبَارٌ عَنْ سُلُوكٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ سَالِكٍ يَعْتَرِيهِ هَذَا، وَلَكِنْ مِنْ

نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 5  صفحه : 59
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست