responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 5  صفحه : 56
وَإِنَّمَا خَرَجَ الْكَلَامُ فِي صُورَةِ اثْنَيْنِ بِذِكْرِ نَعْتَيْنِ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ كَمَا جَاءَ نَحْوُهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ - مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} [آل عمران: 3 - 4] .
قَالَ قَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ: هُوَ الْقُرْآنُ، فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ إذَا كَانَ لَهُ وَصْفَانِ كَبِيرَانِ فَهُوَ مَعَ وَصْفٍ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مَعَ الْوَصْفَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الِاثْنَيْنِ، حَتَّى لَوْ كَثُرَتْ صِفَاتُهُ لِتَنْزِلَ مَنْزِلَةَ أَشْخَاصٍ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي يُحْسِنُ الْحِسَابَ وَالطِّبَّ بِمَنْزِلَةِ حَاسِبٍ وَطَبِيبٍ، وَالرَّجُلَ الَّذِي يُحْسِنُ النِّجَارَةَ وَالْبِنَاءَ بِمَنْزِلَةِ نَجَّارٍ وَبَنَّاءٍ، وَالْقَلْبُ لَمَّا كَانَ يَقْبَلُ الذِّكْرَ وَالْعِلْمَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِنَاءِ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الْمَاءُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَيْتِ الْإِنَاءَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَسْمَاءِ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ رَقِيقًا وَصَافِيًا، وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الْمُسْتَطْعِمُ الْمُسْتَعْطِي فِي مَنْزِلَةِ الْبَائِسِ الْفَقِيرِ، وَلَمَّا كَانَ يَنْصَرِفُ عَنْ الْبَاطِلِ فَهُوَ زَكِيٌّ وَسَلِيمٌ، فَكَأَنَّهُ اثْنَانِ وَلْيُتَبَيَّنْ فِي الصُّورَةِ أَنَّ الْإِنَاءَ غَيْرُ الْقَلْبِ فَهُوَ يَقُولُ: " إذَا مَا وَضَعْت قَلْبَك فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ "، وَهُوَ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الذِّكْرُ وَالْعِلْمُ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَك إنَاءٌ يُوضَعُ فِيهِ الْمَطْلُوبُ فَمِثْلُك مِثْلُ رَجُلٍ بَلَغَهُ أَنَّهُ يُفَرَّقُ عَلَى النَّاسِ طَعَامًا، وَكَانَ لَهُ زُبْدِيَّةٌ أَوْ سُكْرُجَةٌ، فَتَرَكَهَا ثُمَّ أَقْبَلَ يَطْلُبُ طَعَامًا، فَقِيلَ لَهُ هَاتِ إنَاءً نُعْطِك طَعَامًا، فَأَمَّا إذَا أَتَيْت وَقَدْ وَضَعْت زُبْدِيَّتَك مَثَلًا فِي الْبَيْتِ، وَلَيْسَ مَعَك إنَاءٌ نُعْطِيك فِيهِ شَيْئًا، رَجَعْت بِخُفَّيْ حُنَيْنٍ.
وَإِذَا تَأَمَّلَ مَنْ لَهُ بَصَرٌ بِأَسَالِيبِ الْبَيَانِ وَتَصَارِيفِ اللِّسَانِ، وَجَدَ مَوْقِعَ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ وَالْحِكْمَةِ كِلَيْهِمَا مَوْقِعًا حَسَنًا بَلِيغًا، فَإِنَّ نَقِيضَ هَذِهِ الْحَالِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ يَكُونَ الْقَلْبُ مُقْبِلًا عَلَى الْحَقِّ وَالْعِلْمِ وَالذِّكْرِ، مُعْرِضًا عَنْ ذِكْرِ غَيْرِ ذَلِكَ وَتِلْكَ هِيَ الْحَنِيفِيَّةُ دِينُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِنَّ الْحَنَفَ هُوَ الْمَيْلُ عَنْ الشَّيْءِ بِالْإِقْبَالِ عَلَى آخَرَ، فَالدِّينُ الْحَنِيفُ هُوَ الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ وَحْدَهُ وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَاهُ، وَهُوَ الْإِخْلَاصُ الَّذِي تَرْجَمَته كَلِمَةُ الْحَقِّ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ.
اللَّهُمَّ ثَبِّتْنَا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ.
هَذَا آخِرُ مَا

نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 5  صفحه : 56
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست