responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 4  صفحه : 477
فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ " مَنْ أَلْقَى جِلْبَابَ الْحَيَاءِ فَلَا غِيبَةَ لَهُ "، بِخِلَافِ مَنْ كَانَ مُسْتَتِرًا بِذَنْبِهِ مُسْتَخْفِيًا، فَإِنَّ هَذَا يُسْتَرُ عَلَيْهِ لَكِنْ يُنْصَحُ سِرًّا وَيَهْجُرُهُ مَنْ عَرَفَ حَتَّى يَتُوبَ وَيَذْكُرَ. وَأَمْرَهُ عَلَى وَجْهِ النَّصِيحَةِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يُسْتَشَارَ الرَّجُلُ فِي مُنَاكَحَتِهِ وَمُعَامَلَتِهِ أَوْ اسْتِشْهَادِهِ وَيَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ فَيَنْصَحُهُ مُسْتَشِيرُهُ بِبَيَانِ حَالِهِ. كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ لَهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ أُبَيٍّ: قَدْ خَطَبَنِي أَبُو جَهْمٍ وَمُعَاوِيَةُ، فَقَالَ لَهَا: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ» فَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَالَ الْخَاطِبَيْنِ لِلْمَرْأَةِ فَهَذَا حُجَّةٌ لِقَوْلِ الْحَسَنِ: " أَتَرْغَبُونَ عَنْ ذِكْرِ الْفَاجِرِ اُذْكُرُوهُ بِمَا فِيهِ يَحْذَرْهُ النَّاسُ " فَإِنَّ النُّصْحَ فِي الدِّينِ أَعْظَمُ مِنْ النُّصْحِ فِي الدُّنْيَا، فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَحَ الْمَرْأَةَ فِي دُنْيَاهَا فَالنَّصِيحَةُ فِي الدِّينِ أَعْظَمُ، وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَتْرُكُ الصَّلَوَاتِ وَيَرْتَكِبُ الْمُنْكَرَاتِ وَقَدْ عَاشَرَهُ مَنْ يَخَافُ أَنْ يَفْسُدَ دِينُهُ بَيَّنَ أَمْرَهُ لَهُ لِتُتَّقَى مُعَاشَرَتُهُ.
إذَا كَانَ مُبْتَدِعًا يَدْعُو إلَى عَقَائِدَ تُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ أَوْ يَسْلُكُ طَرِيقًا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَيَخَافُ أَنْ يُضِلَّ الرَّجُلُ النَّاسَ بِذَلِكَ بَيَّنَ أَمْرَهُ لِلنَّاسِ لِيَتَّقُوا ضَلَالَهُ وَيَعْلَمُوا، وَهَذَا كُلُّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ النُّصْحِ وَابْتِغَاءِ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِهَوَى الشَّخْصِ مَعَ الْإِنْسَانِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ أَوْ تَحَاسُدٌ أَوْ تَبَاغُضٌ أَوْ تَنَازُعٌ عَلَى الرِّئَاسَةِ فَيَتَكَلَّمَ بِمَسَاوِئِهِ مُظْهِرًا لِلنُّصْحِ وَقَصْدُهُ فِي الْبَاطِنِ الْبُغْضُ فِي الشَّخْصِ وَاسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ فَهَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، بَلْ يَكُونُ النَّاصِحُ قَصْدُهُ أَنَّ اللَّهَ يُصْلِحُ ذَلِكَ الشَّخْصَ وَأَنْ يَكْفِيَ الْمُسْلِمِينَ ضَرَرَهُ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَيَسْلُكُ فِي هَذَا الْمَقْصُودِ أَيْسَرَ الطُّرُقِ الَّتِي تُمَكِّنُهُ.
وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْضُرَ مَجَالِسَ الْمُنْكَرِ بِاخْتِيَارِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ» . وَرُفِعَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَوْمٌ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، فَأَمَرَ بِجَلْدِهِمْ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ فِيهِمْ صَائِمًا فَقَالَ: ابْدَءُوا بِهِ، أَمَا سَمِعْتُمْ اللَّهَ يَقُولُ: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: 140] . بَيَّنَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ حَاضِرَ الْمُنْكَرِ كَفَاعِلِهِ، وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ: إذَا دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ فِيهَا مُنْكَرٌ كَالْخَمْرِ وَالزَّمْرِ لَمْ يَجُزْ حُضُورُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، فَمَنْ حَضَرَ الْمُنْكَرَ بِاخْتِيَارِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، بِتَرْكِ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ بُغْضِ إنْكَارِهِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي يَحْضُرُ مَجَالِسَ الْخَمْرِ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا يُنْكِرُ الْمُنْكَرَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ هُوَ شَرِيكُ الْفُسَّاقِ فِي فِسْقِهِمْ فَيَلْحَقُ بِهِمْ.

نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 4  صفحه : 477
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست