responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 4  صفحه : 471
الصَّحِيحَ مِنْهُ مَا كَانَ يَصُدُّ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي تِلْكَ الْمُعَامَلَاتِ الْفَاسِدَةِ لَا يُعَلَّلُ تَحْرِيمُهَا بِأَنَّهَا تَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ وَأَنَّ الْمُعَامَلَاتِ الصَّحِيحَةَ يُنْهَى مِنْهَا عَمَّا يَصُدُّ عَنْ الْوَاجِبِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ تَحْرِيمَ الْمَيْسِرِ لَيْسَ لِكَوْنِهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ الْفَاسِدَةِ وَأَنَّ نَفْسَ الْعَمَلِ بِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِأَجْلِ هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ، كَمَا حَرُمَ شُرْبُ الْخَمْرِ وَهَذَا بَيِّنٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا حَرُمَ الرِّبَا لِمَا فِيهِ مِنْ الظُّلْمِ وَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، قَرَنَ بِذَلِكَ ذِكْرُ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ عَدْلٌ، وَقَدَّمَ عَلَيْهِ ذِكْرَ الصَّدَقَةِ الَّتِي هِيَ إحْسَانٌ، فَذَكَرَ فِي آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ حُكْمَ الْأَمْوَالِ الْمُحْسِنِ وَالْعَادِلِ وَالظَّالِمِ. ذَكَرَ الصَّدَقَةَ، وَالْبَيْعَ، وَالرِّبَا وَالظُّلْمَ فِي الرِّبَا، وَأَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ بِهِ أَبْيَنُ مِنْهُ فِي الْمَيْسِرِ، فَإِنَّ الْمُرَابِيَ يَأْخُذُ فَضْلًا مُحَقَّقًا مِنْ الْمُحْتَاجِ، وَلِهَذَا عَاقَبَهُ اللَّهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ فَقَالَ: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276] .
وَأَمَّا الْمُقَامِرُ فَإِنَّهُ قَدْ يَغْلِبُ فَيَظْلِمُ، وَقَدْ يُغْلَبُ فَيُظْلَمُ، فَقَدْ يَكُونُ الْمَظْلُومُ هُوَ الْغَنِيُّ وَقَدْ يَكُونُ هُوَ الْفَقِيرُ، وَظُلْمُ الْفَقِيرِ الْمُحْتَاجِ أَشَدُّ مِنْ ظُلْمِ الْغَنِيِّ، وَظُلْمٌ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الظَّالِمُ الْقَادِرُ أَعْظَمُ مِنْ ظُلْمٍ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الظَّالِمُ، فَإِنَّ ظُلْمَ الْقَادِرِ الْغَنِيِّ لِلْعَاجِزِ الضَّعِيفِ أَقْبَحُ مِنْ تَظَالُمِ قَادِرَيْنِ غَنِيَّيْنِ لَا يُدْرَى أَيُّهُمَا هُوَ الَّذِي يَظْلِمُ، فَالرِّبَا فِي ظُلْمِ الْأَمْوَالِ أَعْظَمُ مِنْ الْقِمَارِ، وَمَعَ هَذَا فَتَأَخَّرَ تَحْرِيمُهُ وَكَانَ آخِرَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَيْسِرِ إلَّا مُجَرَّدُ الْقِمَارِ لَكَانَ أَخَفَّ مِنْ الرِّبَا لِتَأَخُّرِ تَحْرِيمِهِ، وَقَدْ أَبَاحَ الشَّارِعُ أَنْوَاعًا مِنْ الْغَرَرِ لِلْحَاجَةِ، كَمَا أَبَاحَ اشْتِرَاطَ ثَمَرِ النَّخْلِ بَعْدَ التَّأْبِيرِ تَبَعًا لِلْأَصْلِ، وَجَوَّزَ بَيْعَ الْمُجَازَفَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَأَمَّا الرِّبَا فَلَمْ يُبِحْ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَكِنْ أَبَاحَ الْعُدُولَ عَنْ التَّقْدِيرِ بِالْكَيْلِ إلَى التَّقْدِيرِ بِالْخَرْصِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، كَمَا أَبَاحَ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ لِلْحَاجَةِ إذْ الْخَرْصُ تَقْدِيرٌ بِظَنٍّ، وَالْكَيْلُ تَقْدِيرٌ بِعِلْمٍ، وَالْعُدُولُ عَنْ الْعِلْمِ إلَى الظَّنِّ عِنْدَ الْحَاجَةِ جَائِزٌ.

نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 4  صفحه : 471
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست