responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 4  صفحه : 205
الَّذِي يَكُونُ لِكُلِّ حَيَوَانٍ، فَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي وُجُودِ الْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَالْأَفْعَالِ، وَهَذَا وَحْدَهُ غَيْرُ كَافٍ فِي صِحَّةِ الْعُقُودِ وَالْأَقْوَالِ، فَإِنَّ الْمَجْنُونَ وَالصَّبِيَّ وَغَيْرَهُمَا لَهُمَا هَذَا الْقَصْدُ كَمَا هُوَ لِلْبَهَائِمِ، وَمَعَ هَذَا فَأَصْوَاتُهُمْ وَأَلْفَاظُهُمْ بَاطِلَةٌ مَعَ عَدَمِ التَّمْيِيزِ، لَكِنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ وَالْمَجْنُونَ الَّذِي يُمَيِّزُ أَحْيَانَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ حِينَ التَّمْيِيزِ.
الْخَامِسُ: أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَالْأَخْبَارِ، لَا مِنْ بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ، وَذَلِكَ أَنَّ كَوْنَ السَّكْرَانِ مُعَاقَبًا، أَوْ غَيْرَ مُعَاقَبٍ، لَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِصِحَّةِ عُقُودِهِ وَفَسَادِهَا، فَإِنَّ الْعُقُودَ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يُثَابُ عَلَيْهَا، وَلَا الْجِنَايَاتِ الَّتِي يُعَاقَبُ عَلَيْهَا، بَلْ هِيَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي يَشْتَرِكُ فِيهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَالْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَهِيَ مِنْ لَوَازِمِ وُجُوبِ الْخُلُقِ، فَإِنَّ الْعُهُودَ وَالْوَفَاءَ بِهَا أَمْرٌ لَا يَتِمُّ مَصْلَحَةُ الْآدَمِيِّينَ إلَّا بِهَا، لِاحْتِيَاجِ بَعْضِ النَّاسِ إلَى بَعْضٍ فِي جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ، وَإِنَّمَا تَصْدُرُ عَنْ الْعَقْلِ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَقْلٌ وَلَا تَمْيِيزٌ لَمْ يَكُنْ قَدْ عَاهَدَ، وَلَا حَلَفَ، وَلَا بَاعَ، وَلَا نَكَحَ، وَلَا طَلَّقَ، وَلَا أَعْتَقَ.
يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ كَانَ كَلَامُ السَّكْرَانِ بَاطِلًا بِالِاتِّفَاقِ، وَلِهَذَا لَمَّا تَكَلَّمَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُكْرِهِ قَبْلَ التَّحْرِيمِ بِقَوْلِهِ: وَهَلْ أَنْتُمْ إلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي، لَمْ يَكُنْ مُؤَاخَذٌ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ لَمَّا خَلَطَ الْمُخْلِطُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فِي سُورَةِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] قَبْلَ النَّهْيِ لَمْ يُعْتَبْ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْكُفَّارُ لَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ وَعَاهَدُوا وَشَرَطُوا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ بِالِاتِّفَاقِ، وَمَنْ سَكِرَ سُكْرًا لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ مِثْلَ أَنْ يَشْرَبَ مَا لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُسْكِرُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَأَمَّا مَنْ سَكِرَ بِشُرْبٍ مُحَرَّمٍ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِذَلِكَ وَيَسْتَحِقُّ مِنْ عُقُوبَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا جَاءَ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى.
فَهَذَا الْفَرْقُ ثَابِتٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ سَكِرَ سُكْرًا يُعْذَرُ فِيهِ، فَأَمَّا كَوْنُ عَهْدِهِ الَّذِي يُعَاهِدُ بِهِ الْآدَمِيِّينَ مُنْعَقِدًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ، وَيَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُهُ، فَهَذَا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ سُكْرِ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِ الْمَعْذُورِ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا كَانَ الْمُوجِبُ لِصِحَّتِهِ أَنَّ صَاحِبَهُ فَعَلَهُ وَهُوَ عَاقِلٌ مُمَيِّزٌ، لَا أَنَّهُ بَرٌّ وَفَاجِرٌ، وَالشَّرْعُ لَمْ يَجْعَلْ السَّكْرَانَ بِمَنْزِلَةِ الصَّاحِي أَصْلًا.

نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 4  صفحه : 205
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست