responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 4  صفحه : 132
فَحَيْثُ عَظَّمَ الْعَبْدُ رَبَّهُ بِتَسْبِيحِ اسْمِهِ أَوْ الْحَلِفِ بِهِ أَوْ الِاسْتِعَاذَةِ بِهِ فَهُوَ مُسَبِّحٌ لَهُ بِتَوَسُّطِ الْمَثَلِ الْأَعْلَى الَّذِي فِي قَلْبِهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، عِلْمًا وَفَضْلًا وَإِجْلَالًا وَإِكْرَامًا، وَحُكْمُ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ إنَّمَا يَعُودُ إلَى مَا كَسَبَهُ قَلْبُهُ مِنْ ذَلِكَ؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225] ، وَكَمَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] ، فَلَوْ اعْتَبَرَ الشَّارِعُ مَا فِي لَفْظَةِ الْقَسَمِ مِنْ انْعِقَادِهِ بِالْأَيْمَانِ وَارْتِبَاطِهِ بِهِ دُونَ قَصْدِ الْحَلِفِ؛ لَكَانَ مُوجِبُهُ أَنَّهُ إذَا حَنِثَ بِغَيْرِ أَيْمَانِهِ وَتَزُولُ حَقِيقَتُهُ، كَمَا قَالَ «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» ، وَكَمَا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ يَمِينًا فَاجِرَةً كَانَتْ مِنْ الْكَبَائِرِ؛ وَإِذَا اشْتَرَى بِهَا مَالًا مَعْصُومًا فَلَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا يُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِ وَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ، لَكِنْ الشَّارِعُ عَلِمَ أَنَّ الْحَالِفَ بِهَا لَيَفْعَلَنَّ أَوْ لَا يَفْعَلَنَّ، لَيْسَ غَرَضُهُ الِاسْتِخْفَافَ بِحُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ وَالتَّعَلُّقَ بِهِ لِغَرَضِ الْحَالِفِ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ، فَشُرِعَ لَهُ الْكَفَّارَةُ، وَحَلَّ هَذَا الْعَقْدُ وَأَسْقَطَهَا عَنْ لَغْوِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ قَلْبُهُ شَيْئًا مِنْ الْجِنَايَةِ عَلَى إيمَانِهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الْكَفَّارَةِ، وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ مُوجِبَ لَفْظِ الْيَمِينِ انْعِقَادُ الْفِعْلِ بِهَذَا الْيَمِينِ الَّذِي هُوَ إيمَانُهُ بِاَللَّهِ، فَإِذَا عَدِمَ الْفِعْلُ كَانَ مُقْتَضَى لَفْظِهِ عَدَمَ إيمَانِهِ هَذَا لَوْلَا مَا شَرَعَ اللَّهُ مِنْ الْكَفَّارَةِ، كَمَا أَنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِ: إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْجَبَ عَلَيَّ كَذَا أَنَّهُ عِنْدَ الْفِعْلِ يَجِبُ ذَلِكَ الْفِعْلُ لَوْلَا مَا شَرَعَ اللَّهُ مِنْ الْكَفَّارَةِ.
يُوَضِّحُ ذَلِكَ: أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ» أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. فَجَعَلَ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ فِي قَوْلِهِ وَيَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا كَالْغَمُوسِ فِي قَوْلِهِ وَاَللَّهِ مَا فَعَلْت كَذَا. إذْ هُوَ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ قَدْ قَطَعَ عَهْدَهُ مِنْ اللَّهِ. حَيْثُ عَلَّقَ الْأَيْمَانَ بِأَمْرٍ مَعْدُومٍ. وَالْكُفْرَ بِأَمْرٍ مَوْجُودٍ، بِخِلَافِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ، وَطَرَدَ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ إذَا كَانَتْ فِي النَّذْرِ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ بِهِ، وَلَمْ تَرْفَعْهُ الْكَفَّارَةُ، كَمَا يَقَعُ الْكُفْرُ بِذَلِكَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ الْمُرَادُ بِهِ الْيَمِينُ الْمَشْرُوعَةُ.
وَأَيْضًا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 224]

نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 4  صفحه : 132
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست