responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 4  صفحه : 116
وَلِهَذَا سَمَّاهُ اللَّهُ عَقْدًا فِي قَوْلِهِ: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] فَإِذَا كَانَ قَدْ عَقَدَهَا بِاَللَّهِ كَانَ الْحِنْثُ فِيهَا نَقْضًا لِعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ لَوْلَا مَا فَرَضَهُ اللَّهُ مِنْ التَّحِلَّةِ، وَلِهَذَا سَمَّى حِلَّهَا حِنْثًا وَالْحِنْثُ هُوَ الِاسْمُ فِي الْأَصْلِ، فَالْحِنْثُ فِيهَا سَبَبٌ لِلْإِثْمِ لَوْلَا الْكَفَّارَةُ الْمَاحِيَةُ، فَإِنَّمَا الْكَفَّارَةُ مَنَعَتْهُ أَنْ يُوجِبَ إثْمًا، وَنَظِيرُ الرُّخْصَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بَعْدَ عَقْدِهَا الرُّخْصَةَ أَيْضًا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بَعْدَ أَنْ كَانَ الظِّهَارُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَوَّلَ الْإِسْلَامِ طَلَاقًا، وَكَذَلِكَ الْإِيلَاءُ كَانَ عِنْدَهُمْ طَلَاقًا، فَإِنَّ هَذَا جَارٍ عَلَى قَاعِدَةِ وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِمُقْتَضَى الْيَمِينِ، فَإِنَّ الْإِيلَاءَ إذَا وَجَبَ الْوَفَاءُ بِمُقْتَضَاهُ مِنْ تَرْكِ الْوَطْءِ صَارَ الْوَطْءُ مُحَرَّمًا، وَتَحْرِيمُ الْوَطْءِ تَحْرِيمًا مُطْلَقًا مُسْتَلْزِمٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ، فَإِنَّ الزَّوْجَةَ لَا تَكُونُ مُحَرَّمَةً عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم: 1] {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] .
وَالتَّحِلَّةُ مَصْدَرُ حَلَّلْتُ الشَّيْءَ أُحِلُّهُ تَحْلِيلًا وَتَحِلَّةً، كَمَا يُقَالُ كَرَّمْته تَكْرِيمًا وَتَكَرُّمًا، وَهَذَا مَصْدَرٌ يُسَمَّى بِهِ الْمُحَلَّلُ نَفْسُهُ الَّذِي هُوَ الْكَفَّارَةُ، فَإِنْ أُرِيدَ الْمَصْدَرُ فَالْمَعْنَى فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحْلِيلَ الْيَمِينِ، وَهُوَ حِلُّهَا الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْعَقْدِ، وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ مَنْ اسْتَدَلَّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، كَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّ التَّحِلَّةَ لَا تَكُونُ بَعْدَ الْحِنْثِ، فَإِنَّهُ بِالْحِنْثِ يَنْحَلُّ الْيَمِينُ، وَإِنَّمَا تَكُونُ التَّحِلَّةُ إذَا أُخْرِجَتْ قَبْلَ الْحِنْثِ، لِيَنْحَلَّ الْيَمِينُ، وَإِنَّمَا هِيَ بَعْدَ الْحِنْثِ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّهَا كَفَّرَتْ مَا فِي الْحِنْثِ مِنْ سَبَبِ الْإِثْمِ لِنَقْضِ عَهْدِ اللَّهِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَا اقْتَضَتْ الْيَمِينُ مِنْ وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهَا رَفَعَهُ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالْكَفَّارَةِ الَّتِي جَعَلَهَا بَدَلًا مِنْ الْوَفَاءِ فِي جُمْلَةِ مَا رَفَعَهُ عَنْهَا مِنْ الْآصَارِ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} [الأعراف: 157] .
فَالْأَفْعَالُ ثَلَاثَةٌ: إمَّا طَاعَةٌ، وَإِمَّا مَعْصِيَةٌ، وَإِمَّا مُبَاحٌ، فَإِذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ مُبَاحًا أَوْ لَيَتْرُكَنَّهُ فَهُنَا الْكَفَّارَةُ مَشْرُوعَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِعْلَ مَكْرُوهٍ أَوْ تَرْكَ مُسْتَحَبٍّ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} [البقرة: 224]

نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 4  صفحه : 116
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست