responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 2  صفحه : 413
وَهَذَا مَقَامٌ فِيهِ مِنْ كَشْفِ الْحَقَائِقِ وَالْأَسْرَارِ مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْهُ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلَا يَحْتَمِلُهُ هَذَا الْمَكَانُ، فَإِنَّ هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِمَسَائِلِ الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ، وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ مَطَالِبِ الدِّينِ وَأَشْرَفِ عُلُومِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَأَدَقِّهَا عَلَى عُقُولِ أَكْثَرِ الْعَالِمِينَ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مَشَايِخَ الصُّوفِيَّةِ وَالْعُلَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ، قَدْ بَيَّنُوا أَنَّ مِنْ الرِّضَا مَا يَكُونُ جَائِزًا، وَمِنْهُ مَا لَا يَكُونُ جَائِزًا، فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مُسْتَحَبًّا أَوْ مِنْ صِفَاتِ الْمُقَرَّبِينَ. وَأَنَّ أَبَا الْقَاسِمِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الرِّسَالَةِ أَيْضًا.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ أَمْرٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ، فَمِنْ أَيْنَ غَلِطَ مَنْ قَالَ: إنَّ الرِّضَا أَنْ لَا تَسْأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَلَا تَسْتَعِيذَهُ مِنْ النَّارِ، وَغَلِطَ مَنْ يَسْتَحْسِنُ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ كَائِنًا مَنْ كَانَ.
قِيلَ: غَلِطُوا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ الرَّاضِيَ بِأَمْرٍ لَا يَطْلُبُ غَيْرَ ذَلِكَ الْأَمْرِ؛ فَالْعَبْدُ إذَا كَانَ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ، فَمِنْ رِضَاهُ أَنْ لَا يَطْلُبَ غَيْرَ تِلْكَ الْحَالِ، ثُمَّ إنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ أَقْصَى الْمَطَالِبِ الْجَنَّةُ، وَأَقْصَى الْمَكَارِهِ النَّارُ، فَقَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَطْلُبَ شَيْئًا، وَلَوْ أَنَّهُ الْجَنَّةُ، وَلَا يَكْرَهَ مَا يَنَالُهُ وَلَوْ أَنَّهُ النَّارُ، وَهَذَا وَجْهُ غَلَطِهِمْ، وَدَخَلَ عَلَيْهِمْ الضَّلَالُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: ظَنُّهُمْ أَنَّ الرِّضَا بِكُلِّ مَا يَكُونُ أَمْرٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ، وَأَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ طُرُقِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، فَجَعَلُوا الرِّضَا بِكُلِّ حَادِثٍ وَكَائِنٍ، أَوْ بِكُلِّ حَالٍ يَكُونُ فِيهَا الْعِنْدُ طَرِيقًا إلَى اللَّهِ، فَضَلُّوا ضَلَالًا مُبِينًا.
وَالطَّرِيقُ إلَى اللَّهِ إنَّمَا هِيَ أَنْ تُرْضِيَهُ أَنْ تَفْعَلَ مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، لَيْسَ أَنْ تَرْضَى بِكُلِّ مَا يَحْدُثُ وَيَكُونُ، فَإِنَّهُ هُوَ لَمْ يَأْمُرْك بِذَلِكَ، وَلَا رَضِيَهُ لَك وَلَا أَحَبَّهُ، بَلْ سُبْحَانَهُ يَكْرَهُ وَيَسْخَطُ وَيُبْغِضُ عَلَى أَعْيَانِ أَفْعَالٍ مَوْجُودَةٍ لَا يُحْصِيهَا إلَّا هُوَ. وَوِلَايَةُ اللَّهِ مُوَافَقَتُهُ بِأَنْ تُحِبَّ مَا يُحِبُّ، وَتُبْغِضَ مَا يُبْغِضُ، وَتَكْرَهَ مَا يَكْرَهُ، وَتَسْخَطَ مَا يَسْخَطُ، وَتُوَالِيَ مَنْ يُوَالِي، وَتُعَادِي مَنْ يُعَادِي. فَإِذَا كُنْت تُحِبُّ وَتَرْضَى مَا يَكْرَهُهُ وَيَسْخَطُهُ كُنْت عَدُوَّهُ لَا وَلِيَّهُ، وَكَانَ كُلُّ ذَمٍّ نَالَ مِنْ رِضَا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ قَدْ نَالَك.

نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 2  صفحه : 413
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست