responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 2  صفحه : 402
وَذَلِكَ أَنَّ قَوْمًا كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ، وَالْمُتَصَوِّفَةِ، وَالْمُتَكَلِّمَةِ وَغَيْرِهِمْ، ظَنُّوا أَنَّ الْجَنَّةَ التَّنَعُّمَ بِالْمَخْلُوقِ، مِنْ أَكْلٍ، وَشُرْبٍ، وَنِكَاحٍ، وَلِبَاسٍ، وَسَمَاعِ أَصْوَاتٍ طَيِّبَةٍ، وَشْمِ رَوَائِحَ طَيِّبَةٍ، وَلَمْ يُدْخِلُوا فِي مُسَمَّى الْجَنَّةِ نَعِيمًا غَيْرَ ذَلِكَ، ثُمَّ صَارُوا ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ، كَمَا ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الْجَهْمِيَّةُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرُهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ بِالرُّؤْيَةِ إمَّا الرُّؤْيَةُ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَإِمَّا بِرُؤْيَةٍ فَسَّرُوهَا بِزِيَادَةِ كَشْفٍ أَوْ عِلْمٍ، أَوْ جَعَلَهَا بِحَاسَّةٍ سَادِسَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا ضِرَارُ بْنُ عَمْرٍو، وَطَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى نَصْرِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ، وَإِنْ كَانَ مَا يُثْبِتُونَهُ مِنْ جِنْسِ مَا تَنْفِيهِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالضَّرَارِيَّةُ. وَالنِّزَاعُ بَيْنَهُمْ لَفْظِيٌّ، وَنِزَاعُهُمْ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ مَعْنَوِيٌّ. وَلِهَذَا كَانَ بِشْرٌ وَأَمْثَالُهُ يُفَسِّرُونَ الرُّؤْيَةَ بِنَحْوٍ مِنْ تَفْسِيرِ هَؤُلَاءِ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مُثْبِتَةَ الرُّؤْيَةِ مِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ يُنَعَّمُ بِنَفْسِ رُؤْيَتِهِ رَبَّهُ. قَالُوا: لِأَنَّهُ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْمُحْدَثِ وَالْقَدِيمِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ فِي الرِّسَالَةِ النِّظَامِيَّةِ، وَكَمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْوَفَا بْنُ عَقِيلٍ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، وَنَقَلُوا عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: أَسْأَلُك لَذَّةَ النَّظَرِ إلَى وَجْهِك. فَقَالَ: يَا هَذَا هَبْ أَنَّ لَهُ وَجْهًا. أَلَهُ وَجْهٌ يُتَلَذَّذُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ لَهُمْ نَعِيمًا بِبَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ مُقَارِنًا لِلرُّؤْيَةِ، فَأَمَّا النَّعِيمُ بِنَفْسِ الرُّؤْيَةِ فَأَنْكَرَهُ، وَجَعَلَ هَذَا مِنْ أَسْرَارِ التَّوْحِيدِ.
وَأَكْثَرُ مُثْبَتِي الرُّؤْيَةِ يُثْبِتُونَ تَنَعُّمَ الْمُؤْمِنِينَ بِرُؤْيَةِ رَبِّهِمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَمَشَايِخِ الطَّرِيقِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ بِعِلْمِك الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِك عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي إذَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي، اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَشْيَتَك فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُك كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَأَسْأَلُك الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَأَسْأَلُك نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُك الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَا، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُك لَذَّةَ النَّظَرِ إلَى وَجْهِك، وَأَسْأَلُك الشَّوْقَ إلَى لِقَائِك مِنْ غَيْرِ ضَرَّاءَ

نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 2  صفحه : 402
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست