responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 1  صفحه : 122
[فَصْلٌ عَدْل اللَّه وَإِحْسَانه فِي الْجَزَاء عَلَى الْأَعْمَال]
فَصْلٌ: ثُمَّ خَتَمَهُ بِتَحْقِيقِ مَا بَيَّنَهُ فِيهِ مِنْ عَدْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، فَقَالَ: «يَا عِبَادِي إنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ» .
فَبَيَّنَ أَنَّهُ مُحْسِنٌ إلَى عِبَادِهِ فِي الْجَزَاءِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ الصَّالِحَةِ إحْسَانًا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْحَمْدَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْعِمُ بِالْأَمْرِ بِهَا وَأَشَادَ إلَيْهَا، وَالْإِعَانَةِ عَلَيْهَا، ثُمَّ إحْصَائِهَا، ثُمَّ تَوْفِيَةِ جَزَائِهَا، فَكُلُّ ذَلِكَ فَضْلٌ مِنْهُ وَإِحْسَانٌ، إذْ كُلُّ نِعْمَةٍ مِنْهُ فَضْلٌ، وَكُلُّ نِقْمَةٍ مِنْهُ عَدْلٌ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ قَدْ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْهِ نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، فَلَيْسَ وُجُوبُ ذَلِكَ كَوُجُوبِ حُقُوقِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، الَّذِي يَكُونُ عَدْلًا لَا فَضْلًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِكَوْنِ بَعْضِ النَّاسِ أَحْسَنَ إلَى الْبَعْضِ، فَاسْتَحَقَّ الْمُعَاوَضَةَ، وَكَانَ إحْسَانُهُ إلَيْهِ بِقُدْرَةِ الْمُحْسِنِ دُونَ الْمُحْسَنِ إلَيْهِ. وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ الْمُتَعَاوِضَانِ لِيَخُصَّ أَحَدَهُمَا بِالتَّفَضُّلِ عَلَى الْآخَرِ لِتَكَافُئِهِمَا، وَهُوَ قَدْ بَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْعِبَادَ لَنْ يَبْلُغُوا ضَرَّهُ فَيَضُرُّوهُ، وَلَنْ يَبْلُغُوا نَفْعَهُ فَيَنْفَعُوهُ، فَامْتَنَعَ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدٍ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ حَقٌّ، بَلْ هُوَ الَّذِي أَحَقَّ الْحَقَّ عَلَى نَفْسِهِ بِكَلِمَاتِهِ، فَهُوَ الْمُحْسِنُ بِالْإِحْسَانِ، وَبِإِحْقَاقِهِ وَكِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ، فَهُوَ فِي كِتَابَةِ الرَّحْمَةِ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِحْقَاقِهِ نَصْرَ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مُحْسِنٌ إحْسَانًا مَعَ إحْسَانٍ. فَلْيَتَدَبَّرْ اللَّبِيبُ هَذِهِ التَّفَاصِيلَ الَّتِي يَتَبَيَّنُ بِهَا فَصْلُ الْخِطَابِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي عَظُمَ فِيهَا الِاضْطِرَابُ.
فَمِنْ بَيْنِ مُوجِبٍ عَلَى رَبِّهِ بِالْمَنْعِ أَنْ يَكُونَ مُحْسِنًا مُتَفَضِّلًا، وَمِنْ بَيْنِ مُسَوٍّ بَيْنَ عَدْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَمَا تَنَزَّهَ عَنْهُ مِنْ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ. وَجَاعِلِ الْجَمِيعِ نَوْعًا وَاحِدًا، وَكُلُّ ذَلِكَ حَيْدٌ عَنْ سُنَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَاَللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. وَكَمَا بَيَّنَ أَنَّهُ مُحْسِنٌ فِي الْحَسَنَاتِ، مُتِمٌّ إحْسَانَهُ بِإِحْصَائِهَا وَالْجَزَاءِ عَلَيْهَا، بَيَّنَ أَنَّهُ عَادِلٌ فِي الْجَزَاءِ عَلَى السَّيِّئَاتِ فَقَالَ: «وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ» . كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي مِثْلِ قَوْلُهُ: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [هود: 101] . وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ اسْتَقَرَّتْ الشَّرِيعَةُ الْمُوَافِقَةُ لِفِطْرَةِ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ

نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 1  صفحه : 122
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست