responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتاوى السبكي نویسنده : السبكي، تقي الدين    جلد : 1  صفحه : 76
وَلَكِنِّي أُقَدِّمُهُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ قَوْلُهُ {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19] فَقَوْلُهُ (أَوْزِعْنِي) مَعْنَاهُ أَلْهِمْنِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ الْأَصْلُ فِي الْإِيزَاعِ الْإِغْرَاءُ بِالشَّيْءِ يُقَالُ فُلَانٌ مُوزَعٌ بِكَذَا أَيْ مُولَعٌ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ أَوْزِعْنِي مَعْنَاهُ ارْفَعْنِي عَنْ الْمَوَانِعِ وَازْجُرْنِي عَنْ الْقَوَاطِعِ لِأَجْلِ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَوْزِعْنِي بِمَعْنَى اجْعَلْ حَظِّي وَنَصِيبِي مِنْ التَّوْزِيعِ وَالْقَوْمِ الْأَوْزَاعِ وَمِنْ قَوْلِك تَوَزَّعُوا الْمَالَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ أَنْ أَشْكُرَ مَفْعُولًا صَرِيحًا وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ حَقِيقَةُ أَوْزِعْنِي اجْعَلْنِي أَزَعُ شُكْرَ نِعْمَتِك عِنْدِي وَأَكُفُّهُ وَأَرْتَبِطُهُ لَا تَنْقَلِبُ عَنِّي حَتَّى لَا أَنْفَكَّ شَاكِرًا لَك وَقَوْلُهُ {نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} [النمل: 19] يَعْنِي مِنْ الْعِلْمِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْحِكْمَةِ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ جَلَائِلِ النِّعَمِ (وَعَلَى وَالِدَيَّ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ نِعْمَتَك الَّتِي أَنْعَمْتهَا عَلَيَّ وَنِعْمَتَك الَّتِي أَنْعَمْتهَا عَلَى وَالِدَيَّ لِأَنَّ النِّعْمَةَ عَلَى الْوَلَدِ نِعْمَةٌ عَلَى الْوَالِدَيْنِ، فَيَكُونَانِ نِعْمَتَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى وَاحِدٍ؛ وَيَكُنْ قِيَامُ سُلَيْمَانَ بِشُكْرِ نِعْمَةِ أَبِيهِ لِأَنَّ النِّعْمَةَ عَلَى أَبِيهِ نِعْمَةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَيَفْتَخِرُ بِهِ. وَفِي هَذَا التَّقْدِيرِ نَظَرٌ، وَسَوَاءٌ جَعَلْنَاهَا نِعْمَتَيْنِ أَوْ نِعْمَةً وَاحِدَةً عَلَى الْأَبِ.
وَيَقُومُ الِابْنُ بِشُكْرِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ نِعْمَتُك الَّتِي أَنْعَمْتهَا عَلَيَّ، وَهِيَ نِعْمَةٌ عَلَى وَالِدَيَّ لِأَنَّ النِّعْمَةَ عَلَى الْوَلَدِ نِعْمَةٌ عَلَى الْوَالِدَيْنِ؛ لَا سِيَّمَا النِّعْمَةُ الرَّاجِعَةُ إلَى الْوَالِدَيْنِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ تَقِيًّا نَفَعَهُمَا بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ وَبِدُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ لَهُمَا كُلَّمَا دَعُوا، وَقَالُوا لَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْك وَعَنْ وَالِدَيْك.
وَقَوْلُهُ {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} [النمل: 19] إنَّمَا قَدَّمَ الشُّكْرَ عَلَى الْعَمَلِ لِأَنَّ الشُّكْرَ عَمَلُ الْقَلْبِ. وَهُوَ أَشْرَفُ مِنْ عَمَلِ الْجَوَارِحِ؛ وَلِأَنَّ الشُّكْرَ عَلَى النِّعَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ صَالِحٌ يَرْضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى، لِأَنَّ الْعَمَلَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَالِحٌ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَلَا يُقْبَلُ حَتَّى يَنْضَمَّ إلَيْهِ الْإِخْلَاصُ فَإِذَا كَانَ صَالِحًا مُخْلِصًا فِيهِ كَانَ مَرْضِيًّا مَقْبُولًا.
قَالَ الْفُضَيْلُ: إنَّ الْعَمَلَ لَا يَكُونُ صَالِحًا إلَّا إذَا كَانَ صَوَابًا خَالِصًا. وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ وَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ. وَقَوْلُهُ {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ} [النمل: 19] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْجَنَّةَ تُنَالُ بِرَحْمَتِهِ لَا بِالْعَمَلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِك فِي عِبَادِك الْكَامِلِينَ فِي الصَّلَاحِ الْقَائِمِينَ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ دَرَجَةَ النُّبُوَّةِ فَوْقَ دَرَجَةِ الصَّلَاحِ، وَلَكِنْ أَشَارَ إلَى الْكَمَالِ وَإِلَى الْقِيَامِ بِوَظَائِفِ الْعُبُودِيَّةِ عَلَى أَتَمِّ الْأَحْوَالِ

[قَوْله تَعَالَى أَلَمْ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا]
وَمِنْ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} [العنكبوت: 2] عَنْ الزَّجَّاجِ أَنَّهُ قَالَ (أَنْ يُتْرَكُوا) سَادَّةٌ مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ

نام کتاب : فتاوى السبكي نویسنده : السبكي، تقي الدين    جلد : 1  صفحه : 76
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست