responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتاوى السبكي نویسنده : السبكي، تقي الدين    جلد : 1  صفحه : 221
سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
فَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ دَلِيلٌ لِمَا قُلْنَاهُ لِأَنَّ الرَّفَثَ وَالصَّخَبَ وَقَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ مِمَّا عُلِمَ النَّهْيُ عَنْهُ مُطْلَقًا لِلصَّائِمِ وَلِغَيْرِهِ، وَالصَّوْمُ مَأْمُورٌ بِهِ مُطْلَقًا فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ إذَا حَصَلَتْ فِيهِ لَمْ يَتَأَثَّرْ بِهَا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهَا فِيهِ مَشْرُوطَةً بِهِ مُقَيَّدَةً بِتَوْبَةٍ مَعْنًى نَفْهَمُهُ فَلَمَّا ذُكِرَتْ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ تَنَبَّهْنَا عَلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا زِيَادَةُ قُبْحِهَا فِي الصَّوْمِ عَلَى قُبْحِهَا فِي غَيْرِهِ.
وَالثَّانِي الْحَثُّ عَلَى سَلَامَةِ الصَّوْمِ عَنْهَا وَإِنَّ سَلَامَتَهُ عَنْهَا صِفَةُ كَمَالٍ فِيهِ لِأَنَّهُ صَدَّرَ الْحَدِيثَ بِهِ، وَقُوَّةُ الْكَلَامِ تَقْتَضِي أَنَّ تَقْبِيحَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الصَّوْمِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الصَّوْمَ يَكْمُلُ بِالسَّلَامَةِ عَنْهَا فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ عَنْهَا نَقَصَ كَمَا قُلْنَاهُ، وَقَوْلُ الزُّورِ وَالْعَمَلُ بِهِ حَرَامَانِ وَالرَّفَثُ وَالصَّخَبُ قَدْ لَا يَكُونَانِ حَرَامَيْنِ بَلْ صِفَتَا نَقْصٍ فَعَلِمْنَا بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ بِنَبْغِي لِلصَّائِمِ تَنْزِيهُ صَوْمِهِ عَمَّا لَا يَنْبَغِي مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَالرَّذَائِلِ الْمُنَافِيَةِ لِلْعِبَادَةِ.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] فَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الْمَعَاصِيَ لِأَنَّ الصَّائِمَ أَظَلْفُ لِنَفْسِهِ وَأَرْدَعُ لَهَا مِنْ مُوَاقَعَةِ السُّوءِ، وَهُوَ أَحَدُ الْمَعَانِي فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» فَفَهِمَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ ذَلِكَ لِإِضْعَافِ الصَّوْمِ الْبَدَنَ فَتَضْعُفُ الشَّهْوَةُ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَالْمَعْنَى الْمَذْكُورُ زَائِدٌ عَلَيْهِ حَاصِلٌ مَعَهُ وَهُوَ أَنَّ الصَّوْمَ يَكُونُ حَامِلًا لَهُ عَلَى مَا يَخَافُهُ عَلَى نَفْسِهِ إمَّا لِبَرَكَةِ الصَّوْمِ وَإِمَّا لِأَنَّ حَقِيقًا عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَكُفَّ فَإِنَّهُ إذَا أُمِرَ بِالْكَفِّ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ الْمُبَاحَيْنِ فَالْكَفُّ عَنْ الْحَرَامِ أَوْلَى.
وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّكَالِيفَ قَدْ تُرَدُّ بِأَشْيَاءٍ وَيُنَبَّهُ بِهَا عَلَى أَشْيَاءَ أُخْرَى بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ، وَقَدْ كَلَّفَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِمَعَارِفَ وَأَحْوَالٍ فِي قُلُوبِهِمْ وَبِأَقْوَالٍ فِي قُلُوبِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ وَبِأَعْمَالٍ فِي جَوَارِحِهِمْ وَبِتُرُوكٍ، وَلَيْسَ مَقْصُودًا مِنْ الصَّوْمِ الْعَدَمُ الْمَحْضُ فِي الْمَنْهِيَّاتِ وَكَمَا فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ النِّيَّةَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْهَا بِالْإِجْمَاعِ بَلْ هُوَ إمْسَاكٌ وَلَعَلَّهُ كَانَ الْمَقْصِدُ مِنْهُ فِي الْأَصْلِ الْإِمْسَاكَ عَنْ كُلِّ الْمُخَالَفَاتِ لَكِنَّهُ يَشُقُّ فَخَفَّفَ اللَّهُ عَنَّا وَأَمَرَ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ وَنَبَّهَ الْعَاقِلَ بِذَلِكَ عَلَى الْإِمْسَاكِ عَنْ الْمُخَالَفَاتِ.
وَأَرْشَدنَا إلَى ذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُبَيِّنِ لِمَا نَزَلَ فَيَكُونُ

نام کتاب : فتاوى السبكي نویسنده : السبكي، تقي الدين    جلد : 1  صفحه : 221
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست