ج الاستدلال بالآية على موت عيسى عليه السلام، قبل رفعه إلى السماء أو بعد رفعه وقبل نزوله آخر الزمان، مبني على تفسير التوفي بالإماتة كما سبق في الكلام على الآية الثامنة، وقد تقدم أن هذا التفسير غير صحيح، وأنه على خلاف ما فسره به السلف، جمعًا بين نصوص الأدلة من الكتاب والنسة الصحيحة.
*الآية العاشرة {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} . (سورة مريم، الآية 33) .
ج هذه كالتي قبلها فيها إثبات السلام والأمن له من الله في كل أحواله، وليس فيها تحديد لمدة حياته، ولا لوقت موته، فيجب الرجوع إلى النصوص الأخرى التي تبين ذلك كما تقدم بيانه.
* الآية الثانية عشر {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ. أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} . (سورة النحل، الآية 21) .
ج هذه الآية سيقت للرد على مَن عَبَد غير الله من الملائكة وعزير وعيسى واللات والعزى ومناة، ببيان أنهم لا يخلقون شيئًا ولا ذبابًا، بل هم مخلوقون مربوبون أموات غير أحياء , لكن الأدلة الأخرى دلّت على بقاء عيسى عليه السلام حيًّا، حتى ينزل ويحكم بين الناس بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يموت.
* الآية الثالثة عشرة {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} . (سورة البقرة، الآية 136) .
ج هذه الآية أمر الله فيها بالإيمان بجيمع الأنبياء وما أنزل إليهم من ربهم، وبيّن أنه سبحانه لا يفرق بينهم في وجوب الإيمان بهم، وما أنزل إليهم من الله، وفي هذا رد على اليهود والنصارى الذين قالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا، وبيان لما أجمل من الرد عليهم في قوله تعالى لنبيه محمد، صلى الله عليه وسلم {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ، (سورة البقرة، الآية 135) وليس المراد الأمر بعدم التفريق بينهم في الموت والحياة، فإن هذا لا يرشد إليه سياق الكلام بل يرشد إلى ما ذكرنا.
كما أن ذلك مما لم تدع إليه الرسل، فحمْل الآية عليه تحريف لها عما سيقت له من المعنى، وعلى تقدير حمل قوله تعالى {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} .، (سورة البقرة، الآية 135) على عمومه حتى يشمل عدم التفريق بينهم في جنس الموت والحياة، بدليل الواقع والنصوص، فإن ذلك يدل على التفاوت بينهم في كثير من صفات الموت والحياة وأنواعها وزمنها ومكانها وطول العمر وقصره، إلى غيرذلك فلتكن حياة عيسى وامتدادها طويلاً ومكانها وموته بعد ذلك، مما اختلف فيه عن إخوانه النبيين بدليل النصوص السابقة.
*الآية الرابعة عشرة {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (سورة البقرة، الآية 134) .
ج القصد من هذه الآية بيان أن كل إنسان مجزي بعمله لا يتجاوزه إلى غيره، ولا يُسال عنه سواه، كما في قوله تعالى {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} . (سورة الطور، الآية 21) . وقوله تعالى {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} . (سورة الأنعام، الآية 164) .
فعليه أن يسعى جهده في كسب الخير واجتناب الشر، وألاَّ يتعلق على غيره فخراً به أو أملاً في النجاة من العذاب يوم القيامة بقرابته منه أو صلته به وتعظيمه له في دنياه. وعيسى عليه السلام وإن دخل في عموم الأمة الماضية، إلا أن الأدلة من الكتاب والسنة قد خصصته برفعه إلى السماء وإبقائه حيّاً ثم إنزاله آخر الزمان إلى آخر ما تقدم بيانه، ومن الأصول المعلومة في الشريعة الإسلامية أن النصوص الخاصة يُقضى بها على النصوص العامة فتخصها، والنصوص التي نحن بصددها من ذلك.
* الآية الخامسة عشرة {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا. بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} . (سورة النساء، الآيتان 157، 158) .
* الآية السادسة عشرة {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} . (سورة النساء، الآية 159) .