ومن اكتسب علما وحصله فقد حاز خيرا عظيما، وربنا عز وجل نفى مساواة العالم بغير العالم في قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [1] .
ومن كان من أهل العلم، فإنه مؤهل ليكون أخشى لله عز وجل وأتقى له سبحانه، لما يعلمه من آياته ومخلوقاته، ولما يعرفه من حق الله تبارك وتعالى عليه، يقول سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [2] ، والعلم الشرعي هو ميراث نبينا صلى الله عليه وسلم، بل هو ميراث الأنبياء عليهم السلام جميعا، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «وإن العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر [3] » .
والمتحدث عن فضل العلم لا يجد عناء في بيان فضله، إذ الجميع متفق على ذلك العالم، والجاهل؛ فإن الجاهل ينفر من صفة الجهل ولا يرضى أن يوصم بها، وإذا ما وسم بالعلم فإنه يفرح بذلك، وما ذاك إلا لإقراره بمكانة العلم وفضله، والعلم الحقيقي، هو العلم بالله عز وجل وأسمائه وصفاته، وما يجب له من حق على عباده، والتفكر في مخلوقاته، والنظر في آياته الشرعية للعمل بما فيها من الأوامر اتباعا، والنواهي اجتنابا، ومن ثم دعوة الخلق إلى ذلك ونشره فيهم فإن هذا العلم هو الذي يورث العبد زيادة في الإيمان، ورضا من ربه الرحيم الرحمن، ومنزلة عالية في الجنان.
والعلم الحقيقي ليس بتزويق الألفاظ، وتنميق العبارات، ورصف الجمل، واختيار التراكيب المعقدة، وحوشي الكلام، والألفاظ نادرة الاستعمال، مما يجعل طريق الوصول إلى المعنى وعرا، ومن ثم يكون فهمه متعسرا إن لم يكن متعذرا، وربما كانت العبارة حمالة أوجه، بلا بيان يسفر عن الوجه المراد، ولا مرجح يمكن من اعتماد أحد معانيه، وإنما العلم الحقيقي كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (بحث محقق، أو نقل مصدق، وما سوى ذلك فهذيان مزوق) . [1] سورة الزمر الآية 9 [2] سورة فاطر الآية 28 [3] رواه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث أبي الدرداء رضي الله عنه برقم 21208.