responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الحاوي للفتاوي نویسنده : السيوطي، جلال الدين    جلد : 2  صفحه : 286
مَعْنَى قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لِسَيِّدِ خَلْقِهِ - عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ -: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] وَقَوْلِهِ تَعَالَى أَيْضًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: 123] ثُمَّ قَالَ: فَفِي أَيِّهِمَا [أَخَافُكَ وَفِي أَيِّهِمَا] أَرْجُوكَ، إِنْ قُلْتُ بِالْمَعْصِيَةِ قَابَلْتَنِي بِفَضْلِكَ فَلَمْ تَدَعْ لِي خَوْفًا، أَوْ قُلْتُ بِالطَّاعَةِ قَابَلْتَنِي بِعَدْلِكَ فَلَمْ تَدَعْ لِي رَجَاءً، يُرِيدُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِنْ رَأَيْتُ مَعْصِيَتِي لَكَ مِنِّي حَيْثُ الْأَدَبُ الشَّرْعِيُّ قَامَ الْخَوْفُ بِي مِنْكَ فَأَطْفَأَهُ وَارِدُ الْفَضْلِ مِنْكَ عَلَيَّ بِإِشْهَادِي الْحَقِيقَةَ مِنْ لَدُنْكَ {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13] فَيَنْزَهِقُ الْخَوْفُ هُنَا، وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ قُلْتُ بِالطَّاعَةِ قَابَلْتَنِي بِعَدْلِكَ فَلَمْ تَدَعْ لِي رَجَاءً، يُرِيدُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - وَإِنْ رَأَيْتُ طَاعَتِي مِنِّي لَكَ مِنْ حَيْثُ النَّسَبُ الشَّرْعِيُّ قَامَ الرَّجَاءُ بِي فَأَفْنَاهُ وَارِدُ الْعَدْلِ مِنْكَ عَلِيَّ بِإِشْهَادِي الْحَقِيقَةَ مِنْ لَدُنْكَ {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص: 68] .
وَإِذْ قَدْ تَقَرَّرَ هَذَا فَلْتَعْلَمْ أَنَّ لِلْفَضْلِ تَعَلُّقَاتٍ وَلِلْعَدْلِ تَعَلُّقَاتٍ وَكِلَاهُمَا دَالَّانِ عَلَى غِنَاهُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَمِنْ تَعَلُّقَاتِ فَضْلِهِ مَا يُعَامِلُ بِهِ مَنْ عَصَاهُ مِنْ سِتْرٍ وَبِرٍّ وَعَطْفٍ وَلُطْفٍ وَحَنَانٍ وَإِحْسَانٍ وُجُودٍ وَبَسْطِ يَدِ الرَّحْمَةِ لِلْعَاصِي مِنْ غَيْرِ حُدُودٍ، وَمِنْ مُتَعَلِّقَاتِ عَدْلِهِ مَا يُعَامِلُ بِهِ مَنْ أَطَاعَهُ مِنْ قَبْضٍ فِي الرِّزْقِ وَدُحُوضٍ بَيْنَ الْخَلْقِ وَضَعْفٍ فِي الْجَسَدِ وَقِلَّةِ حَظٍّ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْبَلَدِ وَالْإِخْوَانِ وَالْأَخْدَانِ وَالْوَلَدِ.
وَإِذْ قَدْ تَبَيَّنَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ مُقَابَلَةَ الْعَاصِي بِأَثَرٍ مِنْ آثَارِ الْفَضْلِ فِي حَالِ عِصْيَانِهِ رُبَّمَا يُزِيلُ عَنْهُ الْخَوْفَ، وَمُقَابَلَةُ الطَّائِعِ بِأَثَرٍ مِنْ آثَارِ الْعَدْلِ فِي حَالِ طَاعَتِهِ رُبَّمَا يُزِيلُ عَنْهُ الرَّجَاءَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ وُرُودِ أَثَرِ الْفَضْلِ عَلَى سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ وُرُودِ أَثَرِ الْعَدْلِ عَلَى عَطْبِ الْعَاقِبَةِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَقَعَ الْإِيهَامُ عَلَى الْخَلْقِ فَجَاءَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: 123] وَهُوَ رُؤْيَةُ الْأَشْيَاءِ مِنْهُ حَقِيقَةً مَعَ التَّبَرِّي مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ مِنْهَا حَقِيقَةً، وَرَدِّ الْأَشْيَاءِ اللَّائِقَةِ بِالنَّسَبِ لِلْعِبَادِ كَسْبًا شَرِيعَةً مَعَ الِانْسِلَاخِ عَنْ لُحُوظِ الْحُظُوظِ تَوَكُّلًا عَلَيْهِ وَاسْتِسْلَامًا إِلَيْهِ وَفَنَاءً لَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهَذَا مُقْتَضَى الْعُبُودِيَّةِ وَالْعِبَادَةِ فِي ضِمْنِ مَا أَشَارَ الْأُسْتَاذُ إِلَيْهِ حَسْبَ فَهْمِي عَنْهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ، وَاللَّهَ أَسْأَلُ الْمَغْفِرَةَ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

نام کتاب : الحاوي للفتاوي نویسنده : السيوطي، جلال الدين    جلد : 2  صفحه : 286
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست