responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الحاوي للفتاوي نویسنده : السيوطي، جلال الدين    جلد : 1  صفحه : 471
بِبَعْضِهَا؛ لِأَنَّ الْمُسِرَّ قَدْ يَمَلُّ فَيَأْنَسُ بِالْجَهْرِ، وَالْجَاهِرُ قَدْ يَكِلُّ فَيَسْتَرِيحُ بِالْإِسْرَارِ. انْتَهَى، وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي الذِّكْرِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ.
فَإِنْ قُلْتَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} [الأعراف: 205] قُلْتُ: الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ كَآيَةِ الْإِسْرَاءِ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] وَقَدْ نَزَلَتْ حِينَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ فَيَسْمَعُهُ الْمُشْرِكُونَ فَيَسُبُّونَ الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ، فَأُمِرَ بِتَرْكِ الْجَهْرِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، كَمَا نُهِيَ عَنْ سَبِّ الْأَصْنَامِ لِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108] وَقَدْ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى، وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ ابن كثير فِي تَفْسِيرِهِ.
الثَّانِي: أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ شَيْخُ مالك، وَابْنُ جَرِيرٍ حَمَلُوا الْآيَةَ عَلَى الذَّاكِرِ حَالَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَأَنَّهُ أُمِرَ لَهُ بِالذِّكْرِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ أَنْ تُرْفَعَ عِنْدَهُ الْأَصْوَاتُ، وَيُقَوِّيِهِ اتِّصَالُهَا بِقَوْلِهِ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] قُلْتُ: وَكَأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ بِالْإِنْصَاتِ خَشِيَ مِنْ ذَلِكَ الْإِخْلَادَ إِلَى الْبَطَالَةِ، فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِالسُّكُوتِ بِاللِّسَانِ إِلَّا أَنَّ تَكْلِيفَ الذِّكْرِ بِالْقَلْبِ بَاقٍ حَتَّى لَا يَغْفُلَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَلِذَا خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ: {وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205]
. الثَّالِثُ: مَا ذَكَرَهُ الصُّوفِيَّةُ أَنَّ الْأَمْرَ فِي الْآيَةِ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَامِلِ الْمُكَمَّلِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ مَحَلُّ الْوَسَاوِسِ وَالْخَوَاطِرِ الرَّدِيَّةِ فَمَأْمُورٌ بِالْجَهْرِ؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي دَفْعِهَا، قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ مِنَ الْحَدِيثِ مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى مِنْكُمْ بِاللَّيْلِ فَلْيَجْهَرْ بِقِرَاءَتِهِ؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي بِصَلَاتِهِ وَتَسْمَعُ لِقِرَاءَتِهِ، وَإِنَّ مُؤْمِنِي الْجِنِّ الَّذِينَ يَكُونُونَ فِي الْهَوَاءِ وَجِيرَانَهُ مَعَهُ فِي مَسْكَنِهِ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ وَيَسْتَمِعُونَ قِرَاءَتَهُ، وَإِنَّهُ يَنْطَرِدُ بِجَهْرِهِ بِقِرَاءَتِهِ عَنْ دَارِهِ وَعَنِ الدُّورِ الَّتِي حَوْلَهُ فُسَّاقُ الْجِنِّ وَمَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ» .
فَإِنْ قُلْتَ: فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55] وَقَدْ فُسِّرَ الِاعْتِدَاءُ بِالْجَهْرِ فِي الدُّعَاءِ، قُلْتُ: الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الرَّاجِحَ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ تَجَاوُزُ الْمَأْمُورِ بِهِ أَوِ اخْتِرَاعُ دَعْوَةٍ لَا أَصْلَ لَهَا فِي الشَّرْعِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ ماجه والحاكم فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَصَحَّحَهُ عَنْ أبي نعامة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ

نام کتاب : الحاوي للفتاوي نویسنده : السيوطي، جلال الدين    جلد : 1  صفحه : 471
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست