responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام نویسنده : الطرابلسي، علاء الدين    جلد : 1  صفحه : 195
وَلَمَّا كَانَ النَّاسُ لَا يَرْتَدِعُونَ عَنْ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتُ إلَّا بِالْحُدُودِ وَالْعُقُوبَاتِ وَالزَّوَاجِرِ شُرِعَ ذَلِكَ عَلَى طَبَقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَالْعُقُوبَةُ تَكُونُ عَلَى فِعْلِ مُحَرَّمٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ فِعْلِ مَكْرُوهٍ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُقَدَّرٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ.
وَتَخْتَلِفُ مَقَادِيرُهَا وَأَجْنَاسُهَا وَصِفَاتُهَا بِاخْتِلَافِ الْجَرَائِمِ وَكِبَرِهَا وَصِغَرِهَا، وَبِحَسْبِ حَالِ الْمُجْرِمِ فِي نَفْسِهِ وَبِحَسَبِ حَالِ الْقَائِلِ وَالْمَقُولِ فِيهِ وَالْقَوْلِ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ التَّعْزِيرَ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ، بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ فِي الْعِظَمِ وَالصِّغَرِ وَحَسَبِ الْجَانِي فِي الشَّرِّ وَعَدَمِهِ.

[فَصْلٌ التَّعْزِيرُ لَا يَخْتَصُّ بِفِعْلٍ مُعَيَّنٍ]
(فَصْلٌ) :
وَالتَّعْزِيرُ لَا يَخْتَصُّ بِفِعْلٍ مُعَيَّنٍ وَلَا قَوْلٍ مُعَيَّنٍ، فَقَدْ عَزَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْهَجْرِ، وَذَلِكَ فِي حَقِّ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، فَهُجِرُوا خَمْسِينَ يَوْمًا لَا يُكَلِّمُهُمْ أَحَدٌ، وَقِصَّتُهُمْ مَشْهُورَةٌ فِي الصِّحَاحِ.
وَعَزَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّفْيِ فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَنَفَاهُمْ. وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ مِنْ بَعْدِهِ.
وَنَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ بَعْضَ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِمَّا قَالَ بِبَعْضِهِ أَصْحَابُنَا، وَبَعْضُهُ خَارِجُ الْمَذْهَبِ.
فَمِنْهَا: أَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِهَجْرِ صَبِيغ الَّذِي كَانَ يَسْأَلُ عَنْ الذَّارِيَاتِ وَغَيْرِهَا وَيَأْمُرُ النَّاسَ بِالتَّفَقُّهِ فِي الْمُشْكِلَاتِ مِنْ الْقُرْآنِ، فَضَرَبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَنَفَاهُ إلَى الْبَصْرَةِ أَوْ الْكُوفَةِ، وَأَمَرَ بِهَجْرِهِ فَكَانَ لَا يُكَلِّمُهُ أَحَدٌ حَتَّى تَابَ وَكَتَبَ عَامِلُ الْبَلَدِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُخْبِرُهُ بِتَوْبَتِهِ فَأَذِنَ لِلنَّاسِ فِي كَلَامِهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَلَقَ رَأْسَ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ وَنَفَاهُ مِنْ الْمَدِينَةِ لَمَّا شَبَّبَ النِّسَاءُ بِهِ فِي الْأَشْعَارِ وَخَشِيَ الْفِتْنَةَ بِهِ. وَمِنْهَا: مَا فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْعُرَنِيِّينَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ فِي رَجُلٍ يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ فَأَشَارُوا بِحَرْقِهِ بِالنَّارِ، فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، ثُمَّ حَرَقَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي خِلَافَتِهِ، ثُمَّ حَرَقَهُمْ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ.
اُنْظُرْ الْهِدَايَةَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَرَقَ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ.
وَمِنْهَا: أَمْرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِكَسْرِ دِنَانِ الْخَمْرِ وَشَقِّ ظُرُوفِهَا.
وَمِنْهَا «أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ بِكَسْرِ الْقُدُورِ الَّتِي طُبِخَ فِيهَا لَحْمُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ ثُمَّ اسْتَأْذَنُوهُ فِي غَسْلِهَا فَأَذِنَ لَهُمْ» ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ بِالْكَسْرِ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً. وَمِنْهَا: تَحْرِيقُ عُمَرَ الْمَكَانَ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ الْخَمْرُ.
وَمِنْهَا تَحْرِيقُ عُمَرَ قَصْرَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ لَمَّا احْتَجَبَ فِيهِ عَنْ الرَّعِيَّةِ وَصَارَ يَحْكُمُ فِي دَارِهِ.
وَمِنْهَا: مُصَادَرَةُ عُمَرَ عُمَّالَهُ بِأَخْذِ شَطْرِ أَمْوَالِهِمْ فَقَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ ضَرَبَ الَّذِي زَوَّرَ عَلَى نَقْشِ خَاتَمِهِ: وَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِائَةً، ثُمَّ ضَرَبَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِائَةً، ثُمَّ ضَرَبَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِائَةً، وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ التَّعْزِيرُ يُزَادُ عَلَى الْحَدِّ.
وَمِنْهَا: أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا وَجَدَ مَعَ السَّائِلِ مِنْ الطَّعَامِ فَوْقَ كِفَايَتِهِ وَهُوَ يَسْأَلُ، أَخَذَ مَا مَعَهُ وَأَطْعَمَهُ إبِلَ الصَّدَقَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ تِعْدَادُهُ. وَهَذِهِ قَضَايَا صَحِيحَةٌ مَعْرُوفَةٌ.
قَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ: وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ سَائِغَةٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ.

(مَسْأَلَةٌ) :
يَجُوزُ التَّعْزِيرُ بِأَخْذِ الْمَالِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَمَنْ قَالَ: إنَّ الْعُقُوبَةَ الْمَالِيَّةَ مَنْسُوخَةٌ فَقَدْ غَلِطَ عَلَى مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ نَقْلًا وَاسْتِدْلَالًا وَلَيْسَ بِسَهْلٍ دَعْوَى نَسْخِهَا.
وَفِعْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَأَكَابِرِ الصَّحَابَةِ لَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبْطِلٌ لِدَعْوَى نَسْخِهَا، وَالْمُدَّعُونَ لِلنَّسْخِ لَيْسَ مَعَهُمْ سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ يُصَحِّحُ دَعْوَاهُمْ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ: مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا لَا يُجَوِّزُ، فَمَذْهَبُ أَصْحَابِهِ عِنْدَهُ عَيَاءٌ عَلَى الْقَبُولِ وَالرَّدِّ.

[فَصْلٌ أَصْلُ التَّعْزِيرِ وَالْعُقُوبَةِ هَلْ يُتَجَاوَزُ بِهِ الْحَدَّ أَمْ لَا]
(فَصْلٌ) :
إذَا ثَبَتَ أَصْلُ التَّعْزِيرِ وَالْعُقُوبَةِ هَلْ يُتَجَاوَزُ بِهِ الْحَدَّ أَمْ لَا.
فَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ أَقَلَّ الْحَدِّ فِي الْأَحْرَارِ، إذْ الْأَصْلُ هُوَ الْحُرِّيَّةُ ثُمَّ نَقَصَ سَوْطًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَفِي رِوَايَةٍ نَقَصَ خَمْسَةً

نام کتاب : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام نویسنده : الطرابلسي، علاء الدين    جلد : 1  صفحه : 195
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست